- صلى الله عليه وسلم - في طريق مكة، وقد بقى من كتابته ألفا درهم، قال: فكنت أتمسك بهما كيما أدخل عليها وأراها فقالت وهي تسير: ماذا بقي عليك من كتابتك يا نبهان؟ قلت: ألفا درهم. قالت: فهما عندك؟ فقلت: نعم، قالت: ادفع ما بقى عليك من كتابك إلى محمد بن عبد الله بن أمية، فإني قد أعنته بهما في نكاحه، وعليك السلام، ثم ألقت دوني الحجاب، فبكيت وقلت: والله، لا أعطيه أبدا. قالت: إنك والله، يا بني، لن تراني أبدا، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عهد إلينا أنه إذا كان عند مكاتب إحداكن وفاء بما بقي عليه من كتابه، فاضربن دونه الحجاب). روى هذا الحديث على هذا السياق أبو جعفر الطحاوي- رحمه الله- في كتابه الموسوم (بمشكل الآثار)، ورواه أيضا من عدة وجوه، ثم ذكر كلاما، زبد [٧٧/ب]: أن المكاتب ما بقي عليه من مال الكتابة شيء فهو في حكم العبيد؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (المكاتب عبد ما بقي عليه درهم) وقد أباح الله- تعالى- للعبيد النظر إلى من تملكهم من النساء، فقال- سبحانه-: {لا جناح عليهم في آبائهن} إلى قوله: {ولا ما ملكت أيمانهن} فتأملنا فيه فصادفنا العلة الموجبة للأمر بالاحتجاب عنهم، بعد أن أبيح لهم النظر، أنه وجد تأخير الأداء بعد تمكن المكاتب عنه سببا إلى استباحة ما يحرم إليه بالأداء، وهو النظر إلى السيدة، فأمر بالاحتجاب سدا لهذا الباب. ثم إن أبا جعفر استخرج من هذا الحديث أحكاما منها: أن تأخير الأداء مع القدرة عليه يحرم على المكاتب والمكاتبة، إذا أراد بذلك إسقاط ما يجب عليهما بعد العتق من الزكاة، وكذلك المكاتبة، إذا كان قصدها أن تصلى بغير فناع، وكذلك إذا طلبت إسقاط الإحداد على زوجها المتوفى عنها، أو أحبت أن تعتد عدة الإماء، وهي في عدة الوفاة، وعدة الطلاق، فالتأخير في
سائر هذه الصور حرام عليها، إذا قصدت به استباحة ما لا يباح لها في حال العتق.
قلت: ومن تدبر الحديث وتفكر في قوله لأم سلمة، وفيما كان من أمر نبهان مولاها، علم أن هذا الحديث داخل في أعلام النبوة.