وفيه (فجعلت تُفرش) وفي كتاب أبي داود (فجعلت تفرش أو تُعْرش) بضم حرف المضارع من التفريش والتعريش. وذكر الخطابي أن التفريش مأخوذ من فرش الجناح وبسطه. والتعريش: أن ترتفع فوقها وتظلل عليهما - يعني على الفرخين - وقد ذكر الحافظ أبو موسى في كتابه (المجموع المغيث) عرّش الطائر: ارتفع ورفرف ومنه الحديث (فجاءت حمرة جعلت تعرش أو تفرش) فأراه نقله من كتاب الخطابي.
قلت: وقد دل التباسهما على الراوي أنه لم يكن في أحد اللفظين على ثبت. وهذان الإمامان إنما سلكا هذا المسلك في التفسير لما انتهى إلينا من الرواية وفيه تعسف؛ لأن التفريش لم يوجد في كلامهم على معنى بسط الطير جناحه، وإنما هو التفرش يقال [٨/ب]: تفرش الطائر، إذا رفرف بجناحيه وبسطهما قال أبو دؤاد يصف ربيئة:
وأتانا يسعى تفرش أم الب يض .... شدا وقد تعالى النهار
والتعريش المشهور فيه تعريش الكرم ويقال أيضا عرش الحمار بعانته: إذا حمل عليها ورفع رأسه وشحافاه. والذي ذكراه في معناه شيء استنبط على تكلف فيه، ولا أرى الصواب فيه إلا تَفرّشَ، على بناء المضارع، حذف تاؤه لاجتماع التائين.
[٢٥٧٠] ومنه حديث أبي سعيد الخدري وأنس بن مالك - رضي الله عنهما - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (سيكون في أمتي اختلاف وفرقة: قوم يحسنون القيل ... الحديث) هذا الكلام يحتمل التقدير من وجهين أحدهما: سيكون في أمتي أهل اختلاف وفقة: وهم قوم. والآخر: سيكون في أمتي اختلاف وفرقة، يفتتن بهما قوم، أو يضلُّ فيهما قوم أو نحو ذلك. وفيه:(يقرءون القرآن لا يجوز تراقيهم) أي: لا يفضي إلى صدورهم وقلوبهم، بل تنشأ القراءة من حنارهم، فلا تجد من ذلك إلا صوتا لا حقيقة وراءه؛ لخلو القلب من التأثر بوعده ووعيده، وقلة المبالاة بحلاله وحرامه وأمره ونهيه، وعدم الاتعاظ والاعتبار بمواعظه وقصصه.
وفيه (يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية) مروق السهم خروجه من الجانب الآخر، والرمية: الصيد الذي ترميه فتقصده، وكذلك كل دابة مرمية. والسهم لا يمرق من الرمية إلا إذا كان سريعَ النفوذ، لا يحجزه شيء ولا يتثبث بشيء. ضرب مثلهم في دخولهم في الدين وخروجهم منه بالسهم الذي لا يكاد يلاقيه شيء من الدم؛ لسرعة نفوذه، تنبيهًا على أنهم لا يتمسكون من الدين بشيء، ولا يلوون عليه. وقد أشار إلى هذا المعنى في غير هذه الرواية بقوله: سبق الفرث والدم".