والاجتزاء من باب الهمزة. وأريد بها في هذا الحديث: الخراج الذي يوضع على الأرض التي تترك في يد الذمى، فيأخذها المسلم عن متكفلاً بما يلزمه من ذلك. وتسميته بالجزية لأنه يجري في الموضوع على الأراضي المتروكة في أيدي أهل الذمة مجراها فيما يؤخذ من رءوسهم. وإنما قال:(فقد استقال هجرت)؛ لأن المهارج له الحظ الأوفر والقدح المُعلى في مال الفئ يؤخذ من أهل الذمة ويُرد عليه، فإذا أقام نفسه مقام الذمى في أداء ما يلزمه من الخراج، فقد أحل نفسه في ذلك محل من عليه ذلك، بعد أن كان له، فصار كالمستقيل عن هجرته بتبخيس حق نفسه. وفي معنى القول الأول (ومن نزع صغار كافر من عنقه) والصغار - بالفتح - والذلّ والضيم، ومثله: الصُغر - بالضم - والمصدر: الصَغَر بالتحريك.
[٢٥٧٤] ومنه قول جرير - رضي الله عنه - في حديثه:(فأمر لهم بنصف العقل) إنما أمر لهم بنصف العقل) إنما أمر لهم بنصف العقل؛ لأنهم كانوا قد أعانوا على قتل أنفسهم بالإقامة بين أظهرُ المشركين.
وفيه (لا تتراءى ناراهما)[٨٨/ب] تراءى الجمعان: رأى بعضهم بعضاً. قال الله تعالى:{فلما تراءت الفئتان} والحديث أوّله أبو عبيد بن سلام من وجهين أحدهما: أنه لا يحل لمسلم أن يسكن بلاد المشركين فيكون كل واحد منهما على مسافة من الآخر يرى نار صاحبه، فأضاف الرؤية إلى النار ولا رؤية لها، ومعناه: أن تدنو هذه من هذه. والآخر: أنه أراد نار الحرب. يقال: هما مختلفان، هذه تدعو إلى الله، وهذه تدعو إلى الشيطان، فكيف يتفقان؟ وهذه حال هؤلاء وهؤلاء فأنّى يساكنهم المسلم في بلادهم، وقد قيل: إن النار هاهنا بمعنى السَّمت، يقال: ما نار هذه الناقة أي: ما سمتها؟ وفي المثل: نجارها نارُها قال الراجز:
وقد سقوا آبالهم بالنار ... والنار قد تشفى من الأوار
وقوله:(أنا برئ) يحتمل أن يكون المراد منه البراءة من دمه. ويحتمل أن يكون أراد به البراءة من مُوالاته.
[٢٥٧٥] ومنه حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (الإيمان قيد الفتك. لا يفتك مؤمن) الفتك: أن يأتي الرجل صاحبه وهو غارّ غافل حتى يشد عليه فيقتله، وفيه ثلاث لغات: بالحركات الثلاث من الفاء. ومعنى قيد أي: منع عنه. أراد أن الإيمان يمنع صاحبه عن الفتك كما يمنع المقيد قيّده. وقال للفرس الجواد: قيد الأوابد؛ لأنه يمنع الوحش عن الفوات؛ لسرعته قال امرؤ القيس: