للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[٢٩٢٦] ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي رافع - رضي الله عنه - (إني لا أخيس بالعهد ولا أحبس البرد) لا أخيس بالعهد أي: لا أنكثه، يقال خاس به، يخيس به، ويخوس: إذا غدر به، والأصل في الخيس أ، تروح الجيفة، ومنه خاس البيع والطعام: إذا فسد (والبرد) جميع بريد، وهو الرسول، قال الشاعر:

رأيت للموت بريداً مبردا

أي رسولاً مفذا، ومنه الحديث (أذا أبردتم إلى بريدا فاجعلوه حسن الوجه حسن الاسم) والبريد أيضا اثنا عشر ميلا، وبه سمي كل سكه من سكك البريد بريدا، والبريد أيضا: الدابة التي أقيمن [لسير] البريد عليها ولم نجد في كتب اللغة ما نطلع به على مأخذ هذه الكلمة، ولقد وجدت في كتاب لبعض المغاليق من الكتاب أن الأصل فيه: أن ملوك العجم كانوا يقيمون لورود الكتب عليهم ووصل الأخبار عليهم من أطرف ممالكهم مضيقا معجلا في كل مرحلة رجالا، ينتهي الأول إلى الثاني، والثاني إلى الثالث، وجعلوا المسافة بين المرحلتين أربعه فراسخ، ورتبوا كل مرحلة بغالا وبرازين للمسير عليها، وجعلوا قطع أذنابها علما لذلك، وكانوا يسمونها بريده دم، فأعربها العرب [فقالت] البريد، ثم اتسع ذلك في الرسول والسكة التي يسلكها.

وإنما أبي أن يأذن له في الاحتباس عنهم؛ لأن الرسل كما حملوا تبليغ الرسالة حملوا تبليغ الجواب، فلزمهم القيام بكلا الأمرين، فيبصرون برفض ما لزمهم موسومين بسمة الغدر، وكان نبي الله - صلى الله عليه وسلم - أبعد الناس عن ذلك، ثم إن تردد الرسل المحصلة الكلية، ومهما جوز حبسهم أو التعرض لهم بمكروه صار ذلك سببا لانقطاع السبل بين الفئتين المختلفتين، وفي ذلك من الفتة والفساد ما لا يخفى على ذي اللب موقعه، وكذلك حكم الوفد لا يحل سفك دم أحد منهم حتى يعود إلى مأمنه، وإنما رفع القتل عن الرسل، والوفد لقوله سبحانه وتعالى {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه} والوافد في حكم المستجير.

[٢٩٢٧] ومنه حديث نعيم بن مسعود الأشجعي - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لرجلين جاءا من عند مسيلمة ... الحديث)

<<  <  ج: ص:  >  >>