وَأَمَّا تَرْجِيحُ التَّمَتُّعِ عَلَى الْقِرَانِ؛ فَلِأَنَّ أَفْعَالَ النُّسُكَيْنِ فِيهِ أَكْمَلُ مِنْهَا فِي الْقِرَانِ.
(وَعَلَى) كُلٍّ مِنْ (الْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ دَمٌ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: ١٩٦] ، وَرَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَبَحَ عَنْ نِسَائِهِ الْبَقَرَ يَوْمَ النَّحْرِ» قَالَتْ وَكُنَّ قَارِنَاتٍ (إنْ لَمْ يَكُونَا مِنْ حَاضِرِي الْحَرَمِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْمُتَمَتِّعِ
ــ
[حاشية الجمل]
تِلْكَ السَّنَةِ لِلْحَاجَةِ وَأَمَرَ فِي قَوْلِهِ عُمْرَةً لَبَّيْكَ وَحَجًّا وَبِهَذَا يَسْهُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ فَعُمْدَةُ رُوَاةِ الْإِفْرَادِ وَهُوَ الْأَكْثَرُ أَوَّلَ الْإِحْرَامِ وَعُمْدَةُ رُوَاةِ الْقِرَانِ آخِرَهُ مَنْ رَوَى التَّمَتُّعَ أَرَادَ التَّمَتُّعَ اللُّغَوِيَّ وَهُوَ الِانْتِفَاعُ وَقَدْ انْتَفَعَ بِالِاكْتِفَاءِ بِفِعْلٍ وَاحِدٍ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَعْتَمِرْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ عُمْرَةً مُفْرَدَةً وَلَوْ جُعِلَتْ حَجَّةً مُفْرَدَةً لَكَانَ غَيْرَ مُعْتَمِرٍ فِي تِلْكَ السَّنَةِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ الْحَجَّ وَحْدَهُ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَانِ فَانْتَظَمَتْ الرِّوَايَاتُ فِي حَجَّتِهِ فِي نَفْسِهِ، وَأَمَّا الصَّحَابَةُ فَكَانُوا ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ قِسْمٌ أَحْرَمَ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَمَعَهُمْ هَدْيٌ وَقِسْمٌ بِعُمْرَةٍ فَفَرَغُوا مِنْهَا ثُمَّ أَحْرَمُوا بِحَجٍّ وَقِسْمٌ بِحَجٍّ وَلَا هَدْيَ مَعَهُمْ فَأَمَرَهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقْلَبُوهُ عُمْرَةً وَهُوَ مَعْنَى فَسْخِ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ وَهُوَ خَاصٌّ بِالصَّحَابَةِ أَمَرَهُمْ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِبَيَانِ مُخَالَفَةِ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ مِنْ تَحْرِيمِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَاعْتِقَادُهُمْ أَنَّ إيقَاعَهَا فِيهِ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ كَمَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَدْخَلَ الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ» لِذَلِكَ، وَدَلِيلُ التَّخْصِيصِ خَبَرُ أَبِي دَاوُد عَنْ «الْحَارِثِ بْنِ بِلَالٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت فَسْخَ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ لَنَا خَاصَّةً أَمْ لِلنَّاسِ عَامَّةً، فَقَالَ بَلْ لَكُمْ خَاصَّةً» فَانْتَظَمَتْ الرِّوَايَاتُ فِي إحْرَامِهِمْ أَيْضًا فَمَنْ رَوَى أَنَّهُمْ كَانُوا قَارِنِينَ أَوْ مُتَمَتِّعِينَ أَوْ مُفْرِدِينَ أَرَادَ بَعْضَهُمْ وَهُمْ الَّذِينَ عُلِمَ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَظَنَّ أَنَّ الْبَقِيَّةَ مِثْلُهُمْ، وَأَمَّا تَفْضِيلُ التَّمَتُّعِ عَلَى الْقِرَانِ فَلِأَنَّهُ أَكْثَرُ عَمَلًا انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا تَرْجِيحُ التَّمَتُّعِ إلَخْ) لَعَلَّهُ مُقَابِلٌ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي تَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا أَيْ الْإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ عَلَى الْآخَرِ، وَأَمَّا تَرْجِيحُ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: أَكْمَلُ مِنْهَا فِي الْقِرَانِ) أَيْ لِأَنَّ الْمُتَمَتِّعَ يَأْتِي بِعَمَلَيْنِ كَامِلَيْنِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُنْشِئُ لَهُمَا مِيقَاتَيْنِ، وَأَمَّا الْقَارِنُ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِعَمَلٍ وَاحِدٍ مِنْ مِيقَاتٍ وَاحِدٍ اهـ. شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: وَعَلَى كُلٍّ مِنْ الْمُتَمَتِّعِ إلَخْ) الْمَعْنَى فِي إيجَابِ الدَّمِ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ كَوْنُهُ رَبِحَ مِيقَاتًا إذْ لَوْ كَانَ أَحْرَمَ أَوَّلًا بِالْحَجِّ مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِهِ لَكَانَ يَحْتَاجُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْحَجِّ إلَى خُرُوجِهِ لِأَدْنَى الْحِلِّ لِيُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ وَإِذَا تَمَتَّعَ اسْتَغْنَى عَنْ الْخُرُوجِ لِكَوْنِهِ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ مِنْ جَوْفِ مَكَّةَ اهـ. شَرْحُ م ر وَمِثْلُهُ حَجّ ثُمَّ قَالَ حَجّ وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ الْوَجْهَ فِيمَنْ كَرَّرَ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ عَلَيْهِ وَإِنْ أَخْرَجَ الدَّمَ قَبْلَ التَّكَرُّرِ؛ لِأَنَّ رِبْحَهُ الْمِيقَاتَ بِالْمَعْنَى الَّذِي تَقَرَّرَ لَمْ يَتَكَرَّرْ وَلَوْ تَمَتَّعَ ثُمَّ قَرَنَ مِنْ عَامِهِ لَزِمَهُ دَمَانِ عَلَى الْمَنْقُولِ الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِجَمْعٍ لِاخْتِلَافِ مُوجِبَيْ الدَّمَيْنِ فَلَمْ يُمْكِنْ التَّدَاخُلُ اهـ.
وَأَمَّا وُجُوبُهُ عَلَى الْقَارِنِ فَلِوُجُوبِهِ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ بِالنَّصِّ، وَفِعْلُ الْمُتَمَتِّعِ أَكْثَرُ مِنْ فِعْلِ الْقَارِنِ فَإِذَا لَزِمَهُ الدَّمُ فَالْقَارِنُ أَوْلَى وَيَلْزَمُ الدَّمُ آفَاقِيًّا تَمَتَّعَ نَاوِيًا الِاسْتِيطَانَ بِمَكَّةَ وَلَوْ بَعْدَ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيطَانَ لَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ وَعَلَّلَهُ فِي الذَّخَائِرِ بِأَنَّهُ الْتَزَمَ بِمُجَاوَزَتِهِ الْمِيقَاتَ، أَمَّا الْعَوْدُ أَوْ الدَّمُ فِي إحْرَامِ سَنَتِهِ فَلَا يَسْقُطُ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ اهـ. شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ أَيْضًا وَعَلَى الْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ دَمٌ إلَخْ) وَهَذَا الدَّمُ دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَقْدِيرٍ كَمَا سَيَأْتِي وَسَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ مَا نَصُّهُ وَدَمُ تَرْكِ مَأْمُورٍ كَدَمِ تَمَتُّعٍ، وَكَذَا دَمُ فَوَاتٍ اهـ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَأْمُورَ أَيْ الْوَاجِبَ فِي الْحَجِّ خَمْسَةٌ الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ وَطَوَافُ الْوَدَاعِ وَالرَّمْيُ وَالْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ وَالْمَبِيتُ بِمِنًى وَمِثْلُهَا الْمَشْيُ الْمَنْذُورُ إذَا أَخْلَفَهُ فَهَذِهِ سِتَّةٌ تُضَمُّ لِلْفَوَاتِ تَكُونُ سَبْعَةً تُضَمُّ لِلتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ تَكُونُ تِسْعَةً،
وَقَدْ نَظَمَهَا ابْنُ الْمُقْرِي فِي قَوْلِهِ:
تَمَتُّعٌ فَوْتٌ وَحَجٌّ قَرْنًا ... وَتَرْكُ رَمْيٍ وَالْمَبِيتُ
بِمِنًى وَتَرْكُهُ الْمِيقَاتَ وَالْمُزْدَلِفَهْ ... أَوْ لَمْ يُوَدِّعْ أَوْ كَمَشْيٍ أَخْلَفَهْ
نَاذِرُهُ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: فَمَنْ تَمَتَّعَ) أَيْ بِمَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ أَيْ سَبَبِ الْعُمْرَةِ أَيْ بِسَبَبِ الْفَرَاغِ مِنْهَا فَالْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ كَمَا عَلِمْت وَقَوْلُهُ: إلَى الْحَجِّ أَيْ وَاسْتَمَرَّ تَمَتُّعُهُ بِالْمَحْظُورَاتِ إلَى الْحَجِّ وَقَوْلُهُ: فَمَا اسْتَيْسَرَ السِّينُ زَائِدَةٌ أَيْ فَمَا تَيَسَّرَ وَمَا اسْمٌ مَوْصُولٌ مُبْتَدَأٌ وَاسْتَيْسَرَ صِلَتُهُ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ عَلَيْهِ أَيْ فَاَلَّذِي تَيَسَّرَ كَائِنٌ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ: مِنْ الْهَدْيِ بَيَانٌ لِمَا اهـ. مِنْ الْجَلَالَيْنِ بِتَصَرُّفٍ.
(قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَكُونَا مِنْ حَاضِرِي الْحَرَمِ) أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الدَّمِ نِيَّةُ التَّمَتُّعِ وَلَا وُقُوعُ النُّسُكَيْنِ عَنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ وَلَا بَقَاؤُهُ حَيًّا وَهُوَ كَذَلِكَ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ اثْنَانِ آخَرَانِ أَحَدُهُمَا لِحَجٍّ وَالْآخَرُ لِعُمْرَةٍ فَتَمَتَّعَ عَنْهُمَا أَوْ اعْتَمَرَ أَجِيرٌ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ حَجَّ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ فَإِنْ كَانَ قَدْ تَمَتَّعَ بِالْإِذْنِ مِنْ الْمُسْتَأْجَرِينَ أَوْ أَحَدِهِمَا فِي الْأُولَى أَوْ مِنْ الْمُسْتَأْجَرِ فِي الثَّانِيَةِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْآذِنَيْنِ أَوْ الْآذِنِ وَالْأَجِيرِ