كَمَا لَا تَلْزَمُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمَجْنُونَ وَالصَّبِيَّ غَيْرَ الْمُمَيِّزِ (وَفِي) إزَالَةِ (شَعْرَةٍ) وَاحِدَةٍ (أَوْ ظُفْرٍ) وَاحِدٍ أَوْ بَعْضِ شَيْءٍ مِنْهُمَا (مُدٌّ) مِنْ طَعَامٍ (وَ) فِي (اثْنَيْنِ) مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا (مُدَّانِ) لِعُسْرِ تَبْعِيضِ الدَّمِ فَعَدَلَ إلَى الطَّعَامِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ
ــ
[حاشية الجمل]
تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ فِي كُلِّ مُحَرَّمٍ أُبِيحَ لِلْحَاجَةِ إلَّا لِلُبْسِ السَّرَاوِيلِ وَالْخُفَّيْنِ الْمَقْطُوعَيْنِ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ وَوِقَايَةَ الرِّجْلِ عَنْ النَّجَاسَةِ مَأْمُورٌ بِهِمَا فَخُفِّفَ فِيهِمَا وَالْحَصْرُ فِيمَا قَالَهُ كَمَا أَفَادَهُ الشَّيْخُ مَمْنُوعٌ فَقَدْ اُسْتُثْنِيَ صُوَرٌ لَا فِدْيَةَ فِيهَا كَإِزَالَةِ شَعْرٍ نَبَتَ فِي بَاطِنِ عَيْنٍ وَتَضَرَّرَ بِهِ وَكَقَتْلِ صَيْدٍ صَائِلٍ وَحَيَوَانٍ مُؤْذٍ وَكَقَطْعِ مَا انْكَسَرَ مِنْ ظُفْرِهِ وَتَأَذَّى بِهِ فَقَطَعَ الْمُؤْذِيَ مِنْهُ فَقَطْ وَإِنَّمَا لَزِمَتْ فِي حَلْقِ الشَّعْرِ لِكَثْرَةِ الْقَمْلِ؛ لِأَنَّ الْأَذَى حَصَلَ مِنْ غَيْرِ الْمُزَالِ بِخِلَافِهِ هُنَا وَمِنْ ثَمَّ لَوْ طَالَ شَعْرُ حَاجِبِهِ أَوْ رَأْسِهِ وَغَطَّى عَيْنَيْهِ جَازَ لَهُ قَطْعُ الْمُغَطِّي فَقَطْ وَلَا فِدْيَةَ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ أَيْضًا بَلْ وَلَا تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ) فِيهِ أَنَّ هَذَا يُنَافِي مَا يَأْتِي قَرِيبًا مِنْ قَوْلِهِ وَفِي ثَلَاثَةٍ وَلَاءً وَلَوْ بِعُذْرٍ فِدْيَةٌ وَيُخَالِفُ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ} [البقرة: ١٩٦] وَيُمْكِنُ دَفْعُ التَّنَافِي وَالْمُخَالَفَةِ بِأَنْ يُحْمَلَ الْأَذَى فِي الْآيَةِ عَلَى الَّذِي لَيْسَ لِضَرُورَةٍ كَالتَّأَذِّي بِكَثْرَةِ الْقَمْلِ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِ كَمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَيُؤْذِيك هَوَامُّ رَأْسِك» إلَخْ وَكَالتَّدَاوِي وَكَذَا الْعُذْرُ الْآتِي يُحْمَلُ عَلَى مَا ذُكِرَ، وَأَمَّا حَالَةُ الضَّرُورَةِ كَالتَّأَذِّي بِالشَّعْرِ الْمَذْكُورِ وَبِكَسْرِ الظُّفْرِ فَلَا فِدْيَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْمَلِ الْآيَةِ كَمَا يُؤْخَذُ جَمِيعُ ذَلِكَ مِنْ صَرِيحِ عِبَارَةِ م ر وَمِنْ ثَمَّ قَالَ ح اوَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا كَانَ لِضَرُورَةٍ فَلَا فِدْيَةَ فِيهِ وَمَا كَانَ لِحَاجَةٍ فَفِيهِ الْفِدْيَةُ وَإِنْ جَازَ الْفِعْلُ فِيهِمَا اهـ. أَفَادَهُ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: كَمَا لَا تَلْزَمُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ إلَخْ) وَذَلِكَ لِأَنَّ إحْرَامَهُمْ نَاقِصٌ فَلَا يَرِدُ أَنَّ هَذَا مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْمُمَيِّزِ وَغَيْرِهِ وَأَيْضًا التَّعْمِيمُ بِالنِّسْبَةِ لِحَقِّ الْآدَمِيِّ أَمَّا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَيَخْتَصُّ خِطَابُ الْوَضْعِ بِالْمُمَيِّزِ وَمَا هُنَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ هَذَا وَلَا يُشْكِلُ عَدَمُ اللُّزُومِ لِهَؤُلَاءِ بِلُزُومِهِمَا لِلْجَاهِلِ وَالنَّاسِي كَمَا سَيَأْتِي إذْ الْفَرْقُ أَنَّهُمَا يَعْقِلَانِ فِعْلَهُمَا فَيُنْسَبَانِ إلَى نَوْعِ تَقْصِيرٍ بِخِلَافِ هَؤُلَاءِ اهـ. شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: فَفِي إزَالَةِ شَعْرَةٍ أَوْ ظُفْرٍ إلَخْ) أَيْ عَلَى الْأَظْهَرِ مِنْ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ.
وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ مَعَ شَرْحِ الْمَحَلِّيِّ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ فِي الشَّعْرَةِ مُدَّ طَعَامٍ وَفِي الشَّعْرَتَيْنِ مُدَّيْنِ وَالثَّانِي فِي الشَّعْرَةِ دِرْهَمًا وَفِي الشَّعْرَتَيْنِ دِرْهَمَيْنِ وَالثَّالِثُ ثُلُثُ دَمٍ وَثُلُثَانِ عَلَى قِيَاسِ وُجُوبِ الدَّمِ فِي الثَّلَاثِ عِنْدَ اخْتِيَارِهِ وَالْأَوَّلَانِ قَالَا تَبْعِيضُ الدَّمِ عَسِيرٌ فَعَدَلَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا إلَى الطَّعَامِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ عَدَلَ الْحَيَوَانَ بِهِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ وَغَيْرِهِ وَالشَّعْرَةُ الْوَاحِدَةُ هِيَ النِّهَايَةُ فِي الْقِلَّةِ، وَالْمُدُّ أَقَلُّ مَا وَجَبَ فِي الْكَفَّارَةِ فَقُوبِلَتْ بِهِ وَعَدَلَ الثَّانِي إلَى الْقِيمَةِ وَكَانَتْ قِيمَةُ الشَّاةِ فِي عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ تَقْرِيبًا فَاعْتُبِرَتْ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى التَّوْزِيعِ وَتَجْرِي الْأَقْوَالُ فِي الظُّفْرِ وَالظُّفْرَيْنِ انْتَهَتْ، وَلَوْ أَزَالَ مَا ذُكِرَ مِنْ مُحْرِمٍ مَيِّتٍ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ تَحَلُّلِهِ فَمُقْتَضَى كَلَامِ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَبِهِ جَزَمَ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الرَّءُوفِ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَيْهِ وَجَزَمَ شَيْخُهُ الشِّهَابُ حَجّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مَتْنِ مُخْتَصَرِ الْإِيضَاحِ بِلُزُومِهَا وَعَلَّلَهُ شَارِحُهُ الْمَذْكُورُ بِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْحَيِّ النَّائِمِ وَيُؤَيِّدُ مَا فِيهِ عُمُومُ قَوْلِهِمْ لَوْ كَانَ الْمَحْلُوقُ غَيْرَ مُكَلَّفٍ فَالْفِدْيَةُ عَلَى الْحَالِقِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَلَوْ لَبَّدَ هَذَا الْمُحْرِمُ الْمَذْكُورُ شَعْرَهُ فِي حَيَاتِهِ وَلَمْ يُمْكِنْ غَسْلُهُ إلَّا بِحَلْقِهِ مُوجِبٌ وَهَلْ تَجِبُ الْفِدْيَةُ حِينَئِذٍ أَوْ لَا اسْتَوْجَهَ الْأُسْتَاذُ أَبُو الْحَسَنِ الْبَكْرِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَدَمَ الْوُجُوبِ قَالَ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا تَقْصِيرَ مِنْهُ وَغَيْرُهُ مَعْذُورٌ وَاسْتَظْهَرَهُ الشِّهَابُ حَجّ فِي مَتْنِ مُخْتَصَرِ الْإِيضَاحِ قَالَ كَمَا بَيَّنْته فِي الْحَاشِيَة اهـ.
وَفَرَّقَ فِيهَا بَيْنَ عَدَمِ وُجُوبِهَا فِي تَرِكَتِهِ وَبَيْنَ وُجُوبِهَا فِي مَالِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ إذَا طَيَّبَهُ الْوَلِيُّ أَوْ حَلَقَهُ لِحَاجَةٍ بِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ تَعُودُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ بِخِلَافِهَا فِي الْمَيِّتِ فَإِنَّهَا تَعُودُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إذْ لَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ عَنْهُمْ إلَّا بِغَسْلِ الرَّأْسِ وَلَا نَظَرَ لِكَوْنِ التَّلْبِيدِ حَصَلَ بِفِعْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ بِهِ لِكَوْنِهِ سُنَّةً اهـ. قَالَ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الرَّءُوفِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُبَاشِرِ؛ لِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ عَامَّةٌ بِسُقُوطِ الْوَاجِبِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَا فِي تَرِكَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ بِمَا ذُكِرَ وَقَدْ يَمْنَعُ الثَّانِي بِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُحْسِنًا فَإِنَّ إحْسَانَهُ لَا يَمْنَعُ تَأْثِيرَ سَبَبِيَّتِهِ فِيمَا هُوَ إتْلَافٌ إذْ النِّسْيَانُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ مَعَ رَفْعِ الْقَلَمِ عَنْهُ وَأَيْضًا فَالْوَدِيعُ إذَا نَصَبَ فِي الْحَرَمِ شَبَكَةً مُودَعَةً لِمَصْلَحَةِ مَالِكِهَا فِي نَصْبِهَا وَإِلَّا تَلِفَتْ ثُمَّ بَعْدَ مَوْتِهِ تَعَلَّقَ بِهَا صَيْدٌ وَتَلِفَ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَضْمَنُ مَعَ أَنَّهُ مُحْسِنٌ بِنَصْبِهَا فَكَذَلِكَ مَا هُنَا إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ نَصْبَ الشَّبَكَةِ أَقْرَبُ إلَى تَلَفِ الصَّيْدِ وَيَنْجَرُّ إلَيْهِ عَادَةً بِخِلَافِ التَّلْبِيدِ فَإِنَّهُ لَا يَجُرُّ إلَى حَلْقِ الشَّعْرِ عَادَةً اهـ. وَيُؤْخَذُ مِنْ تَعْلِيلِ قَوْلِهِ إنَّهَا تَجِبُ فِي مَالِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ إذَا طَيَّبَهُ الْوَلِيُّ أَنَّ مَنْ لَبَّدَ رَأْسَهُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ مِنْ نَحْوِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute