الْمِسْكِ» ، وَالْخُلُوفُ بِضَمِّ الْخَاءِ التَّغَيُّرُ وَالْمُرَادُ الْخُلُوفُ مِنْ بَعْدِ الزَّوَالِ لِخَبَرِ «أُعْطِيت أُمَّتِي فِي شَهْرِ رَمَضَانَ خَمْسًا، ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَإِنَّهُمْ يُمْسُونَ وَخُلُوفُ أَفْوَاهِهِمْ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ السَّمْعَانِيُّ فِي أَمَالِيهِ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ وَالْمَسَاءُ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَأَطْيَبِيَّةُ الْخُلُوفِ تَدُلُّ عَلَى طَلَبِ إبْقَائِهِ فَتُكْرَهُ إزَالَتُهُ، وَلِأَنَّ التَّغَيُّرَ قَبْلَ الزَّوَالِ يَكُونُ مِنْ أَثَرِ الطَّعَامِ غَالِبًا وَتَزُولُ الْكَرَاهَةُ
ــ
[حاشية الجمل]
الْمِسْكِ» ) مَعْنَى كَوْنِهِ أَطْيَبَ عِنْدَهُ تَعَالَى ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ وَرِضَاهُ بِهِ وَبِذَلِكَ فَسَّرَهُ الْخَطَّابِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا فَلَا يَخْتَصُّ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وِفَاقًا لِابْنِ الصَّلَاحِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَخْتَصُّ بِهِ لِتَقْيِيدِهِ بِذَلِكَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ اهـ ز ي.
وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ أَيْ رَائِحَةُ فَمِهِ أَكْثَرُ ثَوَابًا مِنْ ثَوَابِ اسْتِعْمَالِ الْمِسْكِ الْمَأْمُورِ بِهِ الشَّخْصُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ انْتَهَتْ.
وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ وَهُوَ تَفْضِيلٌ لِمَا يُسْتَكْرَهُ مِنْ الصَّائِمِ عَلَى أَطْيَبِ مَا يُسْتَلَذُّ بِهِ مِنْ جِنْسِهِ وَهُوَ الْمِسْكُ لِيُقَاسَ عَلَيْهِ مَا فَوْقَهُ مِنْ آثَارِ الصَّوْمِ وَنَتَائِجِهِ، وَقِيلَ: إنَّمَا خَصَّهُ بِهِ لِأَنَّهُمْ يُؤْثِرُونَهُ عَلَى غَيْرِهِ وَهُوَ اسْتِعَارَةٌ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِتَقْرِيبِ الرَّوَائِحِ الطَّيِّبَةِ مِنْ الشَّخْصِ فَاسْتُعِيرَ ذَلِكَ لِتَقْرِيبِهِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي: أَنَّ لِلْأَعْمَالِ رِيحًا يَفُوحُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرِيحُ الصَّوْمِ بَيْنَهَا كَرِيحِ الْمِسْكِ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَنْ سَلِمَ صِيَامُهُ مِنْ الْإِثْمِ وَعَبَّرَ الشَّارِحُ فِي جَانِبِ الصَّوْمِ بِأَنَّهُ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، وَفِي دَمِ الشَّهِيدِ بِأَنَّهُ كَرِيحِ الْمِسْكِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ خَاصٌّ بِهِ تَعَالَى حَيْثُ قَالَ: «الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» وَهُوَ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى بِخِلَافِ دَمِ الشَّهِيدِ وَمِثْلُهُ مِدَادُ الْعُلَمَاءِ انْتَهَتْ، وَالْخُلُوفُ بِضَمِّ الْخَاءِ قَالَ حَجّ: وَتُفْتَحُ فِي لُغَةٍ شَاذَّةٍ اهـ.
وَقَالَ السُّيُوطِيّ فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي شَرْحِ جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ: بِضَمِّ الْخَاءِ لَا غَيْرُ هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ، وَالْحَدِيثِ وَلَمْ يَحْكِ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ وَالصِّحَاحِ غَيْرَهُ قَالَ الْقَاضِي: وَكَثِيرٌ مِنْ الشُّيُوخِ يَرْوُونَهُ بِفَتْحِهَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَهُوَ خَطَأٌ أَقُولُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةُ فَلَا يُنَافِي أَنَّهَا لُغَةٌ شَاذَّةٌ اهـ ع ش عَلَى م ر. (قَوْلُهُ: لِخَبَرِ أُعْطِيت أُمَّتِي فِي شَهْرِ رَمَضَانَ خَمْسًا) تَتِمَّتُهُ: لَمْ يُعْطَهُنَّ نَبِيٌّ قَبْلِي؛ أَمَّا الْأُولَى فَإِنَّهُ إذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْهُ نَظَرَ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِمْ وَمَنْ نَظَرَ إلَيْهِ لَا يُعَذِّبُهُ أَبَدًا، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَهِيَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَسْتَغْفِرُ لَهُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَأَمَّا الرَّابِعَةُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَأْمُرُ جَنَّتَهُ فَيَقُولُ لَهَا اسْتَعِدِّي وَتَزَيَّنِي لِعِبَادِي أَوْشَكَ أَنْ يَسْتَرِيحُوا مِنْ تَعَبِ الدُّنْيَا إلَى دَارِ كَرَامَتِي، وَأَمَّا الْخَامِسَةُ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ آخِرُ لَيْلَةٍ مِنْهُ غَفَرَ اللَّهُ لَهُمْ جَمِيعًا فَقَالَ رَجُلٌ: أَهِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: لَا أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْعُمَّالَ يَعْمَلُونَ فَإِذَا فَرَغُوا مِنْ أَعْمَالِهِمْ وُفُّوا أُجُورَهُمْ رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ سَعِيدٍ فِي مُسْنَدِهِ وَغَيْرُهُ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُمْ يُمْسُونَ وَخُلُوفُ أَفْوَاهِهِمْ إلَخْ) فَإِنْ قُلْت يُعَارِضُ هَذَا الْحَدِيثَ الدَّالَّ عَلَى كَرَاهَةِ الِاسْتِيَاكِ بَعْدَ الزَّوَالِ الْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى طَلَبِ السِّوَاكِ لِكُلِّ صَلَاةٍ الشَّامِلَةُ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ الَّتِي بَعْدَ الزَّوَالِ فَلِمَ قُدِّمَ عَلَيْهَا؟ أُجِيبَ بِأَنَّهُ قُدِّمَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ فِيهِ دَرْءَ مَفْسَدَةٍ وَهِيَ إزَالَةُ التَّغَيُّرِ وَتِلْكَ الْأَحَادِيثُ فِيهَا جَلْبُ مَنْفَعَةٍ وَدَرْءُ الْمَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ اهـ شَيْخُنَا ح ف.
(قَوْلُهُ: السَّمْعَانِيُّ) هُوَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ الْمَرْوَزِيِّ سَمِعَ أَبَاهُ وَغَيْرَهُ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ خَمْسِمِائَةٍ وَعَشَرَةٍ وَلَهُ مِنْ الْعُمُرِ ثَلَاثَةٌ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَالْمَسَاءُ بَعْدَ الزَّوَالِ) قَالَ حَجّ وَيَمْتَدُّ لُغَةً إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، وَمِنْهُ إلَى الزَّوَالِ صَبَاحٌ اهـ شَوْبَرِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَتُكْرَهُ إزَالَتُهُ) أَيْ بِسِوَاكٍ شَرْعِيٍّ لَا بِغَيْرِهِ كَأُصْبُعِهِ، أَوْ أُصْبُعِ غَيْرِهِ الْمُنْفَصِلَةِ، وَفِي هَذَا الِاسْتِنْتَاجِ نَظَرٌ عَلَى طَرِيقَةِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ اشْتِرَاطِ النَّهْيِ الْمَخْصُوصِ فِي الْكَرَاهَةِ وَقَالَ سم: وَلَا يُشْكِلُ عَلَى الْكَرَاهَةِ انْتِفَاءُ النَّهْيِ الْمَخْصُوصِ لِعَدَمِ اعْتِبَارِهِ فِيهَا عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَقُومُ مَقَامَهُ اشْتِدَادُ الطَّلَبِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي مَوَاضِعَ اهـ ع ش، وَإِنَّمَا لَمْ تَحْرُمْ الْإِزَالَةُ كَمَا حَرُمَتْ إزَالَةُ دَمِ الشَّهِيدِ لِمُعَارَضَتِهِ فِي الصَّائِمِ بِتَأَذِّيهِ وَغَيْرِهِ بِرَائِحَتِهِ فَأُبِيحَ لَهُ إزَالَتُهُ حَتَّى إنَّ لَنَا قَوْلًا اخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ تَبَعًا لِجَمَاعَةٍ: إنَّهَا لَا تُكْرَهُ بِخِلَافِ دَمِ الشَّهِيدِ فَإِنَّهُ لَمْ يُعَارِضْهُ فِي فَضِيلَتِهِ شَيْءٌ وَلِأَنَّ الْمُسْتَاكَ مُتَصَرِّفٌ فِي نَفْسِهِ وَإِزَالَةُ دَمِ الشَّهِيدِ تَصَرُّفٌ فِي حَقِّ الْغَيْرِ وَلَمْ يَأْذَنْ فِيهِ اهـ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ التَّغَيُّرَ قَبْلَ الزَّوَالِ إلَخْ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِخَبَرِ: أُعْطِيت أُمَّتِي إلَخْ، فَهُوَ دَلِيلٌ ثَانٍ لِقَوْلِهِ وَالْمُرَادُ الْخُلُوفُ بَعْدَ الزَّوَالِ اهـ شَيْخُنَا وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَوْ وَاصَلَ وَأَصْبَحَ صَائِمًا أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ قَبْلَ الزَّوَالِ كَمَا قَالَهُ الْجِيلِيُّ وَتَبِعَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَجَزَمَ بِهِ الْغَزِّيِّ كَصَاحِبِ الْأَنْوَارِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَلَوْ لِمَنْ لَمْ يَتَسَحَّرْ بِالْكُلِّيَّةِ وَهُوَ الْأَوْجَهُ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ مِنْ شَأْنِ التَّغَيُّرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute