أَوْ يَتَوَضَّأُ وَيَغْسِلُ مَا أَصَابَهُ مِنْهُ وَقَضِيَّةُ مَا ذُكِرَ أَنَّ مَنِيَّ الْمَرْأَةِ يُعْرَفُ بِمَا ذُكِرَ أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ لَكِنْ قَالَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالتَّلَذُّذِ وَابْنُ الصَّلَاحِ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالتَّلَذُّذِ وَالرِّيحِ وَبِهِ جَزَمَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَقَالَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ وَالْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ الْحَقُّ.
(وَحَرُمَ بِهَا) أَيْ بِالْجَنَابَةِ (مَا حَرُمَ بِحَدَثٍ) مِمَّا مَرَّ فِي بَابِهِ (وَمُكْثُ مُسْلِمٍ) بِلَا ضَرُورَةٍ، وَلَوْ مُتَرَدِّدًا (بِمَسْجِدٍ)
ــ
[حاشية الجمل]
الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ مَعَ وُجُودِهِ لِلتَّرَدُّدِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ إمَّا جُنُبٌ أَوْ حَامِلُ نَجَاسَةٍ، وَهَذَا لَا يَأْتِي فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ.
وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَالْمُكْثُ فِي الْمَسْجِدِ فَأَمْرَانِ مُنْفَصِلَانِ عَنْ الصَّلَاةِ فَلَا مُقْتَضَى لِتَحْرِيمِهِمَا مَعَ الشَّكِّ فَلْيُتَأَمَّلْ انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ وَيَغْسِلُ مَا أَصَابَهُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْبَدَنِ أَمَّا الثَّوْبُ فَلَا مَا لَمْ يُرِدْ الصَّلَاةَ فِيهِ وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ لِئَلَّا يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ مُتَرَدِّدًا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَصَابَ غَيْرَ مَنْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ غُسْلُهُ، وَإِنْ اخْتَارَ صَاحِبُهُ أَنَّهُ مَذْيٌ لَكِنْ لَوْ أَرَادَ صَاحِبُهُ بِأَنْ يَقْتَدِيَ بِمَنْ أَصَابَهُ مِنْهُ شَيْءٌ وَاخْتَارَ هُوَ كَوْنَهُ مَذْيًا امْتَنَعَ عَلَيْهِ الِاقْتِدَاءُ بِهِ اهـ ع ش. (قَوْلُهُ وَقَضِيَّةُ مَا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ إطْلَاقِ أَنَّ الْمَنِيَّ يُعْرَفُ بِشَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الْخَوَاصِّ اهـ ح ل وَقَوْلُهُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ: وَقَالَ السُّبْكِيّ) هُوَ أَبُو الْحَسَنِ تَقِيُّ الدِّينِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْكَافِي الْأَنْصَارِيُّ وُلِدَ بِسُبْكٍ مِنْ أَعْمَالِ الْمَنُوفِيَّةِ فِي صَفَرٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ وَسِتِّمِائَةٍ وَتَفَقَّهَ عَلَى ابْنِ الرِّفْعَةِ وَأَخَذَ الْحَدِيثَ عَنْ الشَّرَفِ الدِّمْيَاطِيِّ وَالتَّفْسِيرَ عَنْ الْعِرَاقِيِّ وَالْقِرَاءَاتِ عَنْ ابْنِ الرُّفَيْعِ وَالْأُصُولَ وَالْمَعْقُولَاتِ عَنْ الْبَاجِيَّ وَالنَّحْوَ عَنْ أَبِي حَيَّانَ وَالتَّصَوُّفَ عَنْ ابْنِ عَطَاءِ اللَّهِ الْمُتَوَفَّى بِجَزِيرَةِ النِّيلِ عَلَى شَاطِئِهِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ رَابِعَ جُمَادَى الْآخَرِ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ أَيْ بِالْجَنَابَةِ) وَأَمَّا الْوِلَادَةُ فَهِيَ فِي مَعْنَاهَا بِدَلِيلِ تَعْلِيلِهِ السَّابِقِ فَحُكْمُهَا حُكْمُهَا. وَأَمَّا الْمَوْتُ فَلَا يَحْرُمُ بِهِ شَيْءٌ. وَأَمَّا الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى مَا يَحْرُمُ بِهِمَا اهـ شَيْخُنَا.
١ -
(قَوْلُهُ وَمُكْثُ مُسْلِمٍ) قَالَ حَجّ، وَهَلْ ضَابِطُهُ هُنَا كَمَا فِي الِاعْتِكَافِ أَوْ يَكْتَفِي هُنَا بِأَدْنَى طُمَأْنِينَةٍ؛ لِأَنَّهُ أَغْلَظَ كُلَّ مُحْتَمَلٍ وَالثَّانِي أَقْرَبُ اهـ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُمْ اعْتَبَرُوا فِي الِاعْتِكَافِ الزِّيَادَةَ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهَا لَا يُسَمَّى اعْتِكَافًا وَالْمَدَارُ هُنَا عَلَى عَدَمِ تَعْظِيمِ الْمَسْجِدِ بِالْمُكْثِ فِيهِ مَعَ الْجَنَابَةِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِأَدْنَى مُكْثٍ اهـ ع ش عَلَى م ر، وَهَلْ هُوَ كَبِيرَةٌ أَوْ صَغِيرَةٌ تَوَقَّفَ فِيهِ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ قُلْت وَاَلَّذِي يَظْهَرُ الثَّانِي كَإِدْخَالِ النَّجَاسَةِ وَالْمَجَانِينَ وَالصِّبْيَانِ مَعَ عَدَمِ الْأَمْنِ اهـ شَوْبَرِيٌّ. وَيَجُوزُ النَّوْمُ فِيهِ لِغَيْرِ الْجُنُبِ، وَلَوْ غَيْرَ أَعْزَبَ لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ نَعَمْ إنْ ضَيَّقَ عَلَى الْمُصَلِّينَ أَوْ شَوَّشَ عَلَيْهِمْ حَرُمَ وَيَحْرُمُ إدْخَالُ النَّجَاسَةِ فِيهِ إلَّا إذَا كَانَتْ بِنَعْلِهِ لِلضَّرُورَةِ، وَكَذَا الْبَوْلُ فِي إنَاءٍ وَنَحْوِهِ وَالْحِجَامَةُ وَالْفَصْدُ فِيهِ خِلَافُ الْأَوْلَى لِانْتِهَاكِ حُرْمَتِهِ وَلَا يَحْرُمُ إخْرَاجُ الرِّيحِ فِيهِ لَكِنَّ الْأَوْلَى اجْتِنَابُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا تَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ» اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ مُسْلِمٍ) أَيْ بَالِغٍ غَيْرَ نَبِيٍّ بِمَا يُعَدُّ مُكْثًا عُرْفًا، وَلَوْ دُونَ قَدْرِ الطُّمَأْنِينَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ أَمَّا الصَّبِيُّ فَيَجُوزُ لَهُ الْمُكْثُ جُنُبًا كَالْقِرَاءَةِ لَكِنْ يَجِبُ عَلَى وَلِيِّهِ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا لِحَاجَةِ تَعَلُّمِهِ. وَأَمَّا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمِنْ خَصَائِصِهِ الْمُكْثُ جُنُبًا كَقِرَاءَتِهِ، وَكَذَا بَقِيَّةُ الْأَنْبِيَاءِ قَالَ بَعْضُهُمْ، وَكَذَا عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَلْ قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ كَذَلِكَ لَكِنَّ الرَّاجِحَ خِلَافُهُ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
وَفِي الْمَرْحُومِيِّ عَلَى الْخَطِيبِ قَوْلُهُ مُسْلِمٍ أَيْ بَالِغٍ أَمَّا الصَّبِيُّ الْجُنُبُ فَيَجُوزُ لِوَلِيِّهِ تَمْكِينُهُ مِنْ الْمُكْثِ كَالْقِرَاءَةِ اهـ. (قَوْلُهُ بِلَا ضَرُورَةٍ) أَمَّا إذَا كَانَ لِضَرُورَةٍ كَأَنْ احْتَلَمَ فِي الْمَسْجِدِ لَيْلًا وَأَغْلَقَ بَابَهُ أَوْ خَافَ مِنْ الْخُرُوجِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ وَتَعَذَّرَ غُسْلُهُ فِيهِ فَلَا يَحْرُمُ الْمُكْثُ لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ بِغَيْرِ تُرَابِهِ بِأَنْ كَانَ مُبَلَّطًا أَوْ مُرَخَّمًا وَجَلَبَتْ الرِّيحُ فِيهِ تُرَابًا أَجْنَبِيًّا. وَأَمَّا تُرَابُهُ الدَّاخِلُ فِي وَقْفِهِ كَأَنْ كَانَ تُرَابِيًّا فَيَحْرُمُ التَّيَمُّمُ بِهِ لَكِنْ يَصِحُّ كَالتُّرَابِ الْمَمْلُوكِ لِغَيْرِهِ، وَهَذَا التَّيَمُّمُ لَا يُبْطِلُهُ إلَّا جَنَابَةٌ أُخْرَى وَيَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ مَا يُمْكِنُهُ غَسْلُهُ مِنْ بَدَنِهِ مِمَّا لَا يَضُرُّهُ غَسْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمَيْسُورَ لَا يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ مُتَرَدِّدًا) ، وَمِنْهُ أَنْ يَدْخُلَ لِأَخْذِ حَاجَةٍ وَيَخْرُجَ مِنْ الْبَابِ الَّذِي دَخَلَ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ وُقُوفٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ دَخَلَهُ يُرِيدُ الْخُرُوجَ مِنْ الْبَابِ الْآخَرِ، ثُمَّ عَنَّ لَهُ الرُّجُوعُ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَلَا حُرْمَةَ عَلَيْهِ وَمِثْلُهُ مَا لَوْ كَانَ خَارِجَهُ وَلَا يُمْكِنُهُ الْغُسْلُ إلَّا فِي الْحَمَّامِ لِشِدَّةِ بَرْدٍ أَوْ نَحْوِهِ وَلَا يَتَيَسَّرُ لَهُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ إلَّا مِنْهُ كَخِزَانَةٍ أَوْ نَحْوِهَا، وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُنَاوِلُهَا لَهُ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ فَيَتَيَمَّمُ وَيَدْخُلُ وَيَمْكُثُ بِقَدْرِ قَضَاءِ حَاجَتِهِ وَلَا حُرْمَةَ عَلَيْهِ، وَهَذِهِ فُسْحَةٌ عَظِيمَةٌ وَنَازَعَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ.
(فَائِدَةٌ) قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَجُوزُ لِلْجُنُبِ أَنْ يَتَوَضَّأَ أَوْ يَتَيَمَّمَ وَيَمْكُثَ، وَلَوْ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَلَا حُرْمَةَ عَلَيْهِ وَسَيَأْتِي فِي التَّيَمُّمِ أَنَّ فَاقِدَ الْمَاءِ أَوْ الْعَاجِزَ عَنْهُ لِنَحْوِ مَرَضٍ لَوْ تَيَمَّمَ جَازَ لَهُ الْمُكْثُ لِلصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَمِثْلُهُ شَرْحُ الرَّمْلِيِّ. (قَوْلُهُ بِمَسْجِدٍ) هَذَا يَشْمَلُ مَا لَوْ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute