وَجُمْلَتَا الْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ خَبَرِيَّتَانِ لَفْظًا إنْشَائِيَّتَانِ مَعْنًى وَاخْتَرْت اسْمِيَّتَهُمَا عَلَى فِعْلِيَّتِهِمَا لِلدَّلَالَةِ عَلَى الثَّبَاتِ وَالدَّوَامِ (الْفَائِزِينَ مِنْ اللَّهِ بِعُلَاهُ) صِفَةٌ لِمَنْ ذُكِرَ
ــ
[حاشية الجمل]
لِبَعْضِهِمْ.
(قَوْلُهُ وَجُمْلَتَا الْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ إلَخْ) أَيْضًا سَكَتَ عَنْ جُمْلَةِ الْبَسْمَلَةِ وَقَالَ ابْنُ الصَّائِغِ فِي تَذْكِرَتِهِ مَنَعَ النَّاسُ مِنْ الْوَاوِ فِي بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْأُولَى خَبَرِيَّةٌ وَالثَّانِيَةَ طَلَبِيَّةٌ وَأَجَازَهُ ابْنُ الطَّرَاوَةِ لِأَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي التَّبَرُّكِ اهـ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ جُمْلَةَ الْبَسْمَلَةِ خَبَرِيَّةٌ لَكِنْ أَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنْ هَذَا الْعَطْفِ بِأَنَّهُ قَصَدَ بِجُمْلَةِ الْبَسْمَلَةِ الطَّلَبَ فَهِيَ مِنْ وَضْعِ الْخَبَرِ مَوْضِعَ الطَّلَبِ مِثْلُ اتَّقَى اللَّهَ امْرُؤٌ فَعَلَ خَيْرًا أُثِيبَ عَلَيْهِ أَيْ لِيَتَّقِ اللَّهَ امْرُؤٌ لِيَفْعَلَ خَيْرًا يُثَابُ عَلَيْهِ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ قَصَدَ بِهَا الْإِنْشَاءَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ التَّرْكِيبِ وَأَنَّهَا خَبَرِيَّةٌ وَضْعًا بَقِيَ الْكَلَامُ فِي بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الَّتِي فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ الشَّرِيفَةِ هَلْ هِيَ خَبَرِيَّةٌ أَوْ طَلَبِيَّةٌ أَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ اقْرَأْ فِعْلِ أَمْرٍ كَمَا قَدَّرَ الزَّمَخْشَرِيُّ فَهِيَ طَلَبِيَّةٌ وَأَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ أَقْرَأُ فِعْلِ مُضَارِعٍ كَمَا قَدَّرَ غَيْرُهُ فَهِيَ خَبَرِيَّةٌ وَضْعًا إنْشَائِيَّةٌ مَعْنًى فَهِيَ عَلَى الْأَوَّلِ لَيْسَتْ قَضِيَّةً قَطْعًا وَعَلَى الثَّانِي يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا قَضِيَّةٌ بِاعْتِبَارِ الْوَضْعِ مَعَ عَدَمِ النَّظَرِ لِلْعَارِضِ لَكِنْ فِيهِ تَجَوُّزٌ مِثْلُ قَوْلِهِمْ فِي الشَّرْطِيَّةِ أَنَّهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ قَضِيَّتَيْنِ وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا فَلَيْسَتْ بِقَضِيَّةٍ لِأَنَّهَا إنْشَائِيَّةٌ مَعْنًى فَتَأَمَّلْ اهـ شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ خَبَرِيَّتَانِ لَفْظًا إنْشَائِيَّتَانِ مَعْنًى) إذْ لَوْ كَانَتَا خَبَرِيَّتَيْنِ لَفْظًا وَمَعْنًى لَفَاتَ الْمَقْصُودُ مِنْهُمَا إذْ غَرَضُ قَائِلِهِمَا الْإِيجَادُ وَالْأَحْدَاثُ دُونَ الْإِخْبَارِ وَكَذَا يُقَالُ فِي صِيَغِ الْعُقُودِ اهـ تَقْرِيرٌ لِبَعْضِهِمْ.
وَعِبَارَةُ ع ش قَوْلُهُ خَبَرِيَّتَانِ لَفْظًا إلَخْ وَيَجُوزُ الْحَمْدُ أَنْ تَكُونَ خَبَرِيَّةً لَفْظًا وَمَعْنًى لِأَنَّ الْحَمْدَ لُغَةً الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ وَالْإِخْبَارُ بِأَنَّهُ مَالِكٌ أَوْ مُسْتَحِقٌّ لِجَمِيعِ الْمَحَامِدِ ثَنَاءٌ عَلَيْهِ جَلَّ وَعَلَا أَمَّا جُمْلَةُ الصَّلَاةِ فَلَا يَجُوزُ فِيهَا ذَلِكَ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لُغَةً الدُّعَاءُ وَالْإِخْبَارُ بِهَا لَيْسَ دُعَاءً وَجَوَّزَهُ بَعْضُهُمْ فِيهَا أَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ الْغَرَضُ مِنْهَا تَعْظِيمُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَذَلِكَ حَاصِلٌ عَلَى كُلٍّ مِنْ التَّقْدِيرَيْنِ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الثُّبُوتِ وَالدَّوَامِ) فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ ذَلِكَ وَقَدْ صَرَّحَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَاهِرِ بِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِي زَيْدٌ مُنْطَلِقٌ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ثُبُوتِ الِانْطِلَاقِ لِزَيْدٍ.
قُلْت: أُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الشَّيْخَ إنَّمَا نَفَى دَلَالَةَ الِاسْمِيَّةِ فَلَا يُنَافِي اسْتِفَادَةَ الدَّوَامِ مِنْهَا بِوَاسِطَةِ الْعُدُولِ مِنْ النَّصْبِ إلَى الرَّفْعِ أَوْ أَنَّ الِاسْمِيَّةَ تَدُلُّ دَلَالَتَيْنِ لَفْظِيَّةً عَلَى مُجَرَّدِ الثُّبُوتِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَعَقْلِيَّةً عَلَى الدَّوَامِ كَمَا ذَكَرَهُ الرِّضَى فِي الصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ وَالشَّيْخُ إنَّمَا نَفَى اللَّفْظِيَّةَ أَوْ أَنَّ الدَّلَالَةَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ مَعُونَةِ الْمَقَامِ فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ دَلَالَةُ الِاسْمِيَّةِ عَلَى دَوَامِ الثُّبُوتِ مَعَ أَنَّ خَبَرَهَا ظَرْفٌ وَهُوَ مَانِعٌ مِنْ ذَلِكَ سَوَاءٌ قُدِّرَ الطَّرَفُ بِالْفِعْلِ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تُفِيدُ الِاسْتِمْرَارَ التَّجَدُّدِيَّ كَمَا فِي: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة: ١٥] أَوْ قُدِّرَ بِاسْمِ الْفَاعِلِ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْحُدُوثِ بِقَرِينَةِ عَمَلِهِ فِي الظَّرْفِ فَيَكُونُ فِي حُكْمِ الْفِعْلِ قُلْت: أُجِيبَ بِأَنَّ الِاسْمِيَّةَ الَّتِي خَبَرُهَا فِعْلٌ إنَّمَا تُفِيدُ التَّجَدُّدَ إذَا لَمْ يُوجَدْ مَا يَدْعُو إلَى الدَّوَامِ وَالثُّبُوتِ كَالْعُدُولِ هُنَا وَبِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُمْنَعَ كَوْنُ اسْمِ الْفَاعِلِ لِلْحُدُوثِ وَلَا يُنَافِيهِ عَمَلُهُ فِي الظَّرْفِ لِأَنَّ رَائِحَةَ الْفِعْلِ كَافِيَةٌ فِي ذَلِكَ فَيَكُونُ عَامِلًا وَهُوَ بِمَعْنَى الثُّبُوتِ فَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمُطَوَّلِ آخِرَ الْبَابِ الثَّالِثِ بِأَنَّ: زَيْدٌ فِي الدَّارِ يَحْتَمِلُ الثُّبُوتَ وَالتَّجَدُّدَ بِحَسَبِ تَقْدِيرِ: حَاصِلٌ أَوْ حَصَلَ وَيَبْقَى وَجْهُ إيرَادِ الْبَسْمَلَةِ مُحْتَمَلَةً لِلِاسْمِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ قَالَ الشَّيْخُ: وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ حُصُولُ الْمَقْصُودِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ قَصْدُ الِاخْتِصَارِ بِحَذْفِ الْمُتَعَلِّقِ أَوْ مُجَرَّدُ التَّفَنُّنِ اهـ شَوْبَرِيٌّ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي تَرْجِيحِ الِاسْمِيَّةِ عَلَى الْفِعْلِيَّةِ مَا نَصُّهُ: لِأَنَّ الْجُمْلَتَيْنِ إنْ اُسْتُعِيرَ لِلْإِنْشَاءِ فِي هَذَا الْمَقَامِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ الشَّارِحِينَ لِيَكُونَ قَائِلُهُمَا حَامِدًا لَا مُخْبِرًا عَنْ الْحَمْدِ فَالِاسْتِعَارَةُ لِجُمْلَةٍ لَا يَجْرِي فِيهَا التَّكْذِيبُ عِنْدَ الْإِخْبَارِ بِهَا أَوْلَى مِنْ الَّتِي يَجْرِي فِيهَا ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّ أَحَدًا لَوْ قَالَ: أَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ حَمْدِهِ وَكَانَ غَافِلًا عَنْ إجْلَالِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُ: كَذَبْت بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ فِي الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنَّهُ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ التَّكْذِيبُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ اُسْتُعْمِلَتْ الْجُمْلَتَانِ فِي الْإِخْبَارِ مِنْ غَيْرِ نَقْلٍ فَالِاسْمِيَّةُ أَوْلَى أَيْضًا لِأَنَّ التَّعْظِيمَ فِي الْإِخْبَارِ بِأَنَّ اللَّهَ مَحْمُودٌ بِجَمِيعِ الْمَحَامِدِ أَوْ جِنْسُهَا الشَّامِلُ لِجَمِيعِ الْأَفْرَادِ أَكْثَرُ مِنْ التَّعْظِيمِ فِي إخْبَارِ الْمُتَكَلِّمِ بِكَوْنِ اللَّهِ مَحْمُودًا بِحَمْدِهِ الْمُفَادِ بِالْفِعْلِيَّةِ اهـ مِنْ حَاشِيَةِ دَلَائِلِ الْخَيْرَاتِ لِلْفَاسِيِّ (قَوْلُهُ الْفَائِزِينَ) الْفَوْزُ هُوَ النَّجَاةُ وَالظَّفَرُ بِالْخَيْرِ مَعَ حُصُولِ السَّلَامَةِ وَقَوْلُهُ بِعُلَاهُ أَيْ بِإِعْلَائِهِ وَرِفْعَتِهِ لَهُمْ فَهُوَ اسْمُ مَصْدَرٍ لِأَعْلَى وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ عَلَا جَمْعُ عَلِيَّةٍ أَيْ مَوْضِعٍ عَالٍ فَهُوَ كَغُرْفَةٍ وَغُرَفٍ أَيْ الْفَائِزِينَ مِنْ اللَّهِ بِالرُّتَبِ الْعَلِيَّةِ فَتَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْمُخْتَارِ مَا يَشْهَدُ لِلْأَوَّلِ حَيْثُ قَالَ: وَالْعُلَا وَالْعَلَاءُ الرِّفْعَةُ وَالشَّرَفُ وَكَذَا الْعُلَا وَالْجَمْعُ الْمَعَالِي ثُمَّ قَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute