الْمُخَصَّصِ لِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» وَجَوَّزَ تَفْرِيقَهَا نَظَرًا إلَى أَنَّهَا حُجَّةٌ كَالشَّهَادَةِ يَجُوزُ تَفْرِيقُهَا (وَلَوْ مَاتَ) قَبْلَ تَمَامِهَا (وَلَمْ يَبْنِ وَارِثُهُ) إذْ لَا يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ شَيْئًا بِيَمِينِ غَيْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَامَ شَاهِدًا، ثُمَّ مَاتَ فَإِنَّ لِوَارِثِهِ أَنْ يُقِيمَ شَاهِدًا آخَرَ؛ لِأَنَّ كُلًّا شَهَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ.
(وَتُوَزَّعَ) الْخَمْسُونَ (عَلَى وَرَثَتِهِ) اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ (بِحَسَبِ الْإِرْثِ) غَالِبًا قِيَاسًا لَهَا عَلَى مَا يَثْبُتُ بِهَا (وَيُجْبَرُ كَسْرٌ) إنْ لَمْ تَنْقَسِمْ صَحِيحَةً؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ الْوَاحِدَةَ لَا تَتَبَعَّضُ فَلَوْ كَانُوا ثَلَاثَةً حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمْ سَبْعَةَ عَشَرَ (وَلَوْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا) أَيْ الْوَارِثِينَ (أَوْ غَابَ حَلَفَهَا) أَيْ الْخَمْسِينَ (الْآخَرُ وَأَخَذَ حِصَّتَهُ) لِأَنَّ الْخَمْسِينَ هِيَ الْحُجَّةُ (وَلَهُ) فِي الثَّانِيَةِ (صَبْرٌ لِلْغَائِبِ) حَتَّى يَحْضُرَ فَيَحْلِفُ مَعَهُ مَا يَخُصُّهُ، وَلَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ بَعْدَ حَلِفِهِ خَلَفَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ كَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا وَلَوْ قَالَ الْحَاضِرُ لَا أَحْلِفُ إلَّا قَدْرَ حِصَّتِي لَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ مِنْ الْقَسَامَةِ، فَإِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ حَلَفَ مَعَهُ حِصَّتُهُ، وَلَوْ كَانَ الْوَارِثُ غَيْرَ حَائِزٍ حَلَفَ خَمْسِينَ فَفِي زَوْجَةٍ وَبِنْتٍ تَحْلِفُ الزَّوْجَةُ عَشْرًا وَالْبِنْتُ أَرْبَعِينَ بِجَعْلِ الْأَيْمَانِ بَيْنَهُمَا أَخْمَاسًا؛ لِأَنَّ سِهَامَهُمَا خَمْسَةٌ وَلِلزَّوْجَةِ مِنْهَا وَاحِدٌ (وَيَمِينُ مُدَّعَى عَلَيْهِ بِلَا لَوْثٍ وَ) يَمِينٌ (مَرْدُودَةٌ) مِنْ مُدَّعٍ
ــ
[حاشية الجمل]
وَمُحَيِّصَةَ بْنُ مَسْعُودٍ إلَى خَيْبَرَ وَهِيَ يَوْمَئِذٍ صُلْحٌ فَتَفَرَّقَا فَأَتَى مُحَيِّصَةُ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ وَهُوَ يَتَشَحَّطُ فِي دَمِهِ قَتِيلًا فَدَفَنَهُ ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَانْطَلَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ وَحُوَيِّصَةُ وَمُحَيِّصَةَ ابْنَا مَسْعُودٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَتَكَلَّمُ فَقَالَ لَهُ كَبِّرْ كَبِّرْ وَهُوَ أَحْدَثُ الْقَوْمِ، ثُمَّ سَكَتَ فَتَكَلَّمَا فَقَالَ أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ قَالُوا كَيْفَ نَحْلِفُ وَلَمْ نَشْهَدْ وَلَمْ نَرَ قَالَ فَتُبْرِيكُمْ يَهُودُ خَيْبَرَ بِخَمْسِينَ يَمِينًا قَالُوا كَيْفَ نَأْخُذُ بِأَيْمَانِ قَوْمٍ كُفَّارٍ فَعَقَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عِنْدِهِ» وَقَوْلُهُ فَتُبْرِيكُمْ أَيْ مِنْ دَعْوَاكُمْ وَإِلَّا فَالْحَقُّ لَيْسَ فِي جِهَتِهِمْ حَتَّى تُبْرِئَهُمْ الْيَهُودُ مِنْهُ وَقَوْلُهُ مِنْ عِنْدِهِ أَيْ دَرْءًا لِلْفِتْنَةِ. وَقَوْلُهُ كَيْفَ نَأْخُذُ إلَخْ اسْتِنْطَاقٌ لِبَيَانِ الْحِكْمَةِ فِي قَبُولِ أَيْمَانِهِمْ مَعَ كُفْرِهِمْ الْمُؤَيِّدِ لِكَذِبِهِمْ وَلَمْ يُبَيِّنْهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُمْ اتِّكَالًا عَلَى وُضُوحِ الْأَمْرِ فِيهَا أَيْ الْحِكْمَةِ اهـ حَجّ بِنَوْعِ تَصَرُّفٍ اهـ ع ش عَلَى م ر
وَفِي الْبُخَارِيِّ مَعَ شَرْحِهِ لِلْقَسْطَلَّانِيِّ مَا نَصُّهُ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْهَاءِ، وَحَثْمَةُ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ، قَالَ «انْطَلَقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ الْحَارِثِيُّ وَمُحَيِّصَةَ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ زَيْدٍ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ إلَى خَيْبَرَ فِي أَصْحَابٍ لَهُمَا يَمْتَارُونَ تَمْرًا وَهِيَ يَوْمَئِذٍ صُلْحٌ فَتَفَرَّقَا أَيْ ابْنُ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةَ فَأَتَى مُحَيِّصَةُ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ فَوَجَدَهُ فِي عَيْنٍ قَدْ كُسِرَتْ عُنُقُهُ وَطُرِحَ فِيهَا وَهُوَ يَتَشَحَّطُ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ يَضْطَرِبُ فِي دَمٍ حَالَةَ كَوْنِهِ قَتِيلًا فَدَفَنَهُ، ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَانْطَلَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ أَخُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةَ وَأَخُوهُ حُوَيِّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُخْبِرُوهُ بِذَلِكَ وَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَتَكَلَّمُ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَهُ كَبِّرْ كَبِّرْ بِالْجَزْمِ عَلَى الْأَمْرِ وَكَرَّرَهُ لِلْمُبَالَغَةِ أَيْ قَدِّمْ الْأَسَنَّ يَتَكَلَّمُ وَهُوَ أَيْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَحْدَثُ الْقَوْمِ سِنًّا فَسَكَتَ فَتَكَلَّمَا أَيْ مُحَيِّصَةُ وَحُوَيِّصَةُ بِقَضِيَّةِ قَتْلِ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَتَحْلِفُونَ» أَطْلَقَ الْخِطَابَ لِلثَّلَاثَةِ بِعَرْضِ الْيَمِينِ عَلَيْهِمْ وَمُرَادُهُ مَنْ يَخْتَصُّ بِهِ وَهُوَ أَخُوهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ أَنَّ الْيَمِينَ تَخْتَصُّ بِالْوَارِثِ، وَإِنَّمَا أَمَرَ أَنْ يَتَكَلَّمَ الْأَكْبَرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ بِكَلَامِهِ حَقِيقَةَ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِابْنَيْ الْعَمِّ فِيهَا بَلْ الْمُرَادُ سَمَاعُ صُورَةِ الْوَاقِعَةِ وَكَيْفِيَّتِهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَكَّلَ الْأَكْبَرَ أَوْ أَمَرَهُ النَّبِيُّ بِتَوْكِيلِهِ فِيهَا وَتَسْتَحِقُّونَ قَاتِلَكُمْ وَلِأَبِي ذَرٍّ دَمُ قَاتِلِكُمْ أَوْ صَاحِبِكُمْ بِالنَّصْبِ أَوْ الْجَرِّ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ
قَالَ النَّوَوِيُّ الْمَعْنَى يَثْبُتُ حَقُّكُمْ عَلَى مَنْ حَلَفْتُمْ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ الْحَقُّ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ قِصَاصًا أَوْ دِيَةً «قَالُوا وَكَيْفَ نَحْلِفُ وَلَمْ نَشْهَدْ مَنْ قَتَلَهُ وَلَمْ نَرَ مَنْ قَتَلَهُ؟ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَتُبْرِئُكُمْ أَيْ تَبْرَأُ إلَيْكُمْ يَهُودُ مِنْ دَعْوَاكُمْ خَمْسِينَ أَيْ يَمِينًا فَقَالُوا كَيْفَ نَأْخُذُ أَيْمَانَ قَوْمٍ كُفَّارٍ» قَالَ الْخَطَّابِيُّ «بَدَأَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْمُدَّعِينَ فِي الْيَمِينِ فَلَمَّا نَكَلُوا رَدَّهَا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَرْضَوْا بِأَيْمَانِهِمْ فَعَقَلَهُ أَيْ أَدَّى دِيَتَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عِنْدِهِ مِنْ خَالِصِ مَالِهِ أَوْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ» ؛ لِأَنَّهُ عَاقِلَةُ الْمُسْلِمِينَ وَوَلِيُّ أَمْرِهِمْ، وَفِيهِ أَنَّ حُكْمَ الْقَسَامَةِ مُخَالِفٌ لِسَائِرِ الدَّعَاوَى مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي وَإِنَّهَا خَمْسُونَ يَمِينًا وَاللَّوْثُ هُنَا هُوَ الْعَدَاوَةُ الظَّاهِرَةُ بَيْنَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَالْيَهُودِ اهـ بِحُرُوفِهِ. (قَوْلُهُ الْمُخَصَّصِ لِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ إلَخْ) أَيْ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ طَلَبَ الْيَمِينَ مِنْ وَرَثَةِ الْقَتِيلِ ابْتِدَاءً وَمَا اكْتَفَى بِهَا فِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ نُكُولِ الْمُدَّعِي اهـ ع ش عَلَى م ر. (قَوْلُهُ قَبْلَ تَمَامِهَا) خَرَجَ مَا إذَا تَمَّتْ أَيْمَانُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ فَلَا يَسْتَأْنِفُ وَارِثُهُ بَلْ يَحْكُمُ لَهُ كَمَا لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً، ثُمَّ مَاتَ اهـ شَرْحُ الرَّوْضِ اهـ سم. (قَوْلُهُ إذْ لَا يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ شَيْئًا بِيَمِينِ غَيْرِهِ) يَرُدُّ عَلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ مَسْأَلَةُ أُمِّ الْوَلَدِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَإِنَّ أُمَّ الْوَلَدِ فِيهَا تَسْتَحِقُّ الدِّيَةَ إذَا حَلَفَ الْوَارِثُ.
(قَوْلُهُ بِحَسَبِ الْإِرْثِ غَالِبًا) وَإِلَّا فَقَدْ تَوَزَّعَ لَا بِحَسَبِ الْإِرْثِ كَمَا يَأْتِي فِي الْبِنْتِ وَالزَّوْجَةِ وَيُفْرَضُ الْخُنْثَى بِالنِّسْبَةِ لِحَلِفِهِ ذَكَرًا أَوْ فِي حَلِفِ غَيْرِهِ أُنْثَى وَبِالنِّسْبَةِ لِلْأَخْذِ أُنْثَى أَيْضًا، فَإِذَا كَانَ مَعَهُ ابْنٌ حَلَفَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ وَأَخَذَ الثُّلُثَ وَحَلَفَ الِابْنُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ؛ لِأَنَّهَا ثُلُثَا الْخَمْسِينَ مَعَ جَبْرِ الْكَسْرِ وَأَخْذِ النِّصْفِ وَيُوقَفُ الْبَاقِي وَهُوَ السُّدُسُ إلَى الصُّلْحِ أَوْ الْبَيَانِ اهـ ح ل. (قَوْلُهُ عَلَى مَا يَثْبُتُ بِهَا) وَهِيَ الدِّيَةُ فَإِنَّهَا تُقْسَمُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ بِحَسَبِ الْإِرْثِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ الْوَارِثُ غَيْرَ حَائِزٍ إلَخْ) هَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ غَالِبًا فِيمَا تَقَدَّمَ وَمَحَلُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا انْتَظَمَ أَمْرُ بَيْتِ الْمَالِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَنْتَظِمْ فَتَوَزَّعَ بِحَسَبِ الْإِرْثِ فَرْضًا وَرَدًّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute