كَبَنْجٍ وَحَشِيشٍ مُسْكِرٍ فَإِنَّهُ وَإِنْ حَرُمَ تَنَاوُلُهُ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ لَا يُحَدُّ بِهِ وَلَا تَرِدُ الْخَمْرَةُ الْمَعْقُودَةُ وَلَا الْحَشِيشُ الْمُذَابُ نَظَرَا لِأَصْلَيْهِمَا وَيُحَدُّ بِمَا ذُكِرَ (وَإِنْ جَهِلَ الْحَدَّ) بِهِ لِأَنَّ حَقَّهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْهُ (لَا) بِتَنَاوُلِهِ (لِتَدَاوٍ أَوْ عَطَشٍ) فَلَا يُحَدُّ بِهِ وَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهُ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ جَمَاعَةٍ وَاخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ فِي تَصْحِيحِهِ وَصَحَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ لِشُبْهَةِ قَصْدِ التَّدَاوِي وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِي، وَمَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْمُعْتَبَرِينَ مِنْ وُجُوبِ الْحَدِّ بِذَلِكَ ضَعَّفَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ (وَلَا) بِتَنَاوُلِهِ حَالَةَ كَوْنِهِ (مُسْتَهْلِكًا) بِغَيْرِهِ كَخَبْزٍ عُجِنَ دَقِيقُهُ بِهِ لِاسْتِهْلَاكِهِ (وَلَا) يَتَنَاوَلُهُ (بِحَقْنٍ وَسَعُوطٍ) بِفَتْحِ السِّينِ لِأَنَّ الْحَدَّ لِلزَّجْرِ وَلَا حَاجَةَ فِيهِمَا إلَى زَجْرٍ.
(وَحَدُّ حُرٍّ أَرْبَعُونَ) جَلْدَةً فَفِي مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَضْرِبُ فِي الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ، وَالنِّعَالِ أَرْبَعِينَ وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «جَلَدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعِينَ وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ وَعُمَرُ ثَمَانِينَ وَكُلٌّ سُنَّةٌ» وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ (وَ) حَدُّ (غَيْرِهِ) وَلَوْ مُبَعَّضًا (عِشْرُونَ) عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْحُرِّ كَنَظَائِرِهِ وَتَعْبِيرِي بِغَيْرِهِ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالرَّقِيقِ (وَلَاءُ) كُلٍّ مِنْ الْأَرْبَعِينَ، وَالْعِشْرِينَ بِحَيْثُ يَحْصُلُ بِهَا زَجْرٌ وَتَنْكِيلٌ فَلَا يُفَرَّقُ عَلَى الْأَيَّامِ، وَالسَّاعَاتِ لِعَدَمِ الْإِيلَامِ فَإِنْ حَصَلَ بِهَا حِينَئِذٍ إيلَامٌ قَالَ الْإِمَامُ فَإِنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ مَا يَزُولُ بِهِ الْأَلَمُ الْأَوَّلُ كَفَى وَإِلَّا فَلَا وَيُحَدُّ الرَّجُلُ قَائِمًا، وَالْمَرْأَةُ جَالِسَةً وَتَلُفُّ امْرَأَةٌ أَوْ نَحْوُهَا عَلَيْهَا ثِيَابَهَا وَكَالْمَرْأَةِ الْخُنْثَى فِيمَا يَظْهَرُ لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَخْتَصَّ بِلَفِّ ثِيَابِهِ الْمَرْأَةُ وَنَحْوُهَا وَيُحْتَمَلُ تَعْيِينُ الْمَحْرَمِ وَنَحْوِهِ.
ــ
[حاشية الجمل]
جَوَازَ مَا فَعَلَهُ اهـ ح ل (قَوْلُهُ: كَبَنْجٍ وَحَشِيشٍ) أَيْ وَزَعْفَرَانٍ وَجَوْزَةٍ اهـ شَرْحُ م ر، وَالْمُحَرَّمُ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ هُوَ الْكَثِيرُ دُونَ الْقَلِيلِ فَالْكَثْرَةُ قَيْدٌ فِي تَحْرِيمِهَا اهـ ع ش عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا تَرِدُ الْخَمْرَةُ الْمَعْقُودَةُ. . . إلَخْ) أَيْ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرَابٍ الْآنَ وَيَحْرُمُ تَنَاوُلُهَا وَيُحَدُّ بِهَا وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْخَمْرَةَ الْمَعْقُودَةَ مُسْكِرَةٌ وَهَلْ وَإِنْ اسْتَحْجَرَتْ فَصَارَتْ فِي الْيُبْسِ كَالْحَجَرِ وَحِينَئِذٍ لَا يَنْسَلِبُ عَنْهَا صِفَةُ الْإِسْكَارِ اهـ ح ل (قَوْلُهُ:، وَالْحَشِيشُ الْمُذَابُ. . . إلَخْ) مَحَلُّهُ مَا لَمْ تَشْتَدَّ بِحَيْثُ تَقْذِفُ بِالزَّبَدِ وَتَضْطَرِبُ وَإِلَّا صَارَتْ كَالْخَمْرِ فِي النَّجَاسَةِ، وَالْحَدِّ كَالْخَبَزِ إذَا أُذِيبَ وَصَارَ كَذَلِكَ بَلْ أَوْلَى، وَالْفَرْقُ بِأَنَّ لِلْحَشِيشِ حَالَةَ إسْكَارٍ وَتَحْرِيمٍ بِخِلَافِ الْخُبْزِ مَثَلًا لَا أَثَرَ لَهُ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ بَلْ سِيَاقُ ذَلِكَ يُؤَكِّدُ مَا قُلْنَا وِفَاقًا فِي ذَلِكَ لِلطَّبَلَاوِيِّ وَخِلَافًا لَمَرَّ ثُمَّ وَافَقَ اهـ سم عَلَى الْمَنْهَجِ اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: فَلَا يُحَدُّ بِهِ) قِيلَ هُوَ أَوْلَى بِنَفْيِ الْحَدِّ مِنْ الْمُكْرَهِ عَلَى الزِّنَا لِأَنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُ الزِّنَا بِالْإِكْرَاهِ بِخِلَافِ هَذَا فَإِنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي جَوَازِهِ كَذَا فِي الزَّرْكَشِيّ وَصَرِيحُهُ أَنَّ الزِّنَا لَمْ يَجْرِ لَنَا فِيهِ خِلَافٌ بِالْإِبَاحَةِ عِنْدَ الْإِكْرَاهِ اهـ سم (قَوْلُهُ: وَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهُ) لَكِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ بَوْلًا مِنْ مُغَلَّظٍ اهـ ح ل (قَوْلُهُ: وَلَا بِتَنَاوُلِهِ حَالَةَ كَوْنِهِ مُسْتَهْلَكًا) الِاسْتِهْلَاكُ أَنْ لَا يَبْقَى لَهُ طَعْمٌ وَلَا لَوْنٌ وَلَا رِيحٌ لِأَنَّهُ لَا نَظَرَ لِعَدَمِ إبَاحَتِهَا حِينَئِذٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الزِّنَا شُبْهَةٌ لِدَفْعِ حَدِّ الزِّنَا وَإِنْ لَمْ يُبَحْ بِهِ اهـ ح ل (قَوْلُهُ: كَخُبْزٍ عُجِنَ دَقِيقُهُ بِهِ) هَلْ يَتَقَيَّدُ بِالْجَامِدِ كَمَا مَثَّلَ أَوْ مِثْلُهُ الْمَانِعُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ مَا يُفِيدُ الثَّانِيَ وَعَلَيْهِ يَجُوزُ التَّدَاوِي بِالْمَمْزُوجَةِ إنْ اُسْتُهْلِكَتْ اهـ ح ل (قَوْلُهُ: وَسَعُوطٍ) أَيْ إدْخَالُهُ فِي الْأَنْفِ أَيْ تَنَاوُلُهُ مِنْ الْأَنْفِ وَقَوْلُهُ: بِفَتْحِ السِّينِ الْأَوْلَى بِضَمِّهَا لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا الْمَصْدَرُ لَا الْمَفْعُولُ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ سَعُوطٌ مِثْلُ رَسُولٍ دَوَاءٌ يُصَبُّ فِي الْأَنْفِ، وَالسُّعُوطُ مِثْلُ قُعُودٍ مَصْدَرٌ وَأَسْعَطْتُهُ الدَّوَاءَ يَتَعَدَّى إلَى مَفْعُولَيْنِ، وَالْمُسْعَطُ بِضَمِّ الْمِيمِ إنَاءٌ يُجْعَلُ فِيهِ السُّعُوطُ وَهُوَ مِنْ الشَّوَاذِّ الَّتِي جَاءَتْ بِالضَّمِّ وَقِيَاسُهَا الْكَسْرُ لِأَنَّهَا اسْمُ آلَةٍ اهـ
(قَوْلُهُ: وَحَدُّ حُرٍّ أَرْبَعُونَ) وَقَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ ثَلَاثُونَ اهـ ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ (قَوْلُهُ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَضْرِبُ فِي الْخَمْرِ» . . إلَخْ) فَإِنْ قُلْت إذَا قُلْنَا بِالرَّاجِحِ فِي الصَّحَابَةِ مِنْ عَدَالَةِ جَمِيعِهِمْ أَشْكَلَ شُرْبُهُمْ الْخَمْرَ فَإِنَّهُ يُنَافِي الْعَدَالَةَ وَيُوجِبُ الْفِسْقَ قُلْتُ يُمْكِنُ أَنَّ مَنْ شَرِبَ عَرَضَتْ لَهُ شُبْهَةٌ تَصَوَّرَهَا فِي نَفْسِهِ تَقْتَضِي جَوَازَهُ فَيَشْرَبُ تَعْوِيلًا عَلَيْهَا وَلَيْسَتْ هِيَ كَذَلِكَ عِنْدَ مَنْ رُفِعَ لَهُ فَحَدُّهُ عَلَى مُقْتَضَى اعْتِقَادِهِ وَذَاكَ شَرِبَ عَلَى مُقْتَضَى اعْتِقَادِهِ، وَالْعِبْرَةُ بِعَقِيدَةِ الْحَاكِمِ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَاحْفَظْهُ فَإِنَّهُ دَقِيقٌ عَلَى أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَالَتِهِمْ أَنَّ مَنْ شَهِدَ مِنْهُمْ أَوْ رَوَى حَدِيثًا لَا يُبْحَثُ عَنْ عَدَالَتِهِ فَتُقْبَلُ رِوَايَتُهُ وَشَهَادَتُهُ أَوْ رَوَى شَخْصٌ عَنْ مُبْهَمٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فَقَالَ حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ كَذَا قُبِلَ مِنْهُ وَمَنْ ارْتَكَبَ مِنْهُمْ شَيْئًا يُوجِبُ الْحَدَّ رُتِّبَ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ مِنْ حَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَفْسُقُ بِارْتِكَابِ مَا يَفْسُقُ بِهِ غَيْرُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَحَلِّيُّ فِي شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «جَلَدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعِينَ» ) أَيْ فِي غَالِبِ أَحْوَالِهِ وَإِلَّا فَقَدْ جَلَدَ ثَمَانِينَ كَمَا فِي جَامِعِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ اهـ ح ل (قَوْلُهُ: وَكُلٌّ سُنَّةٌ) مِنْ بَقِيَّةِ كَلَامِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اهـ رَشِيدِيٌّ (قَوْلُهُ: وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ) أَيْ الْأَرْبَعُونَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْكَمَالُ الْمَقْدِسِيُّ فِي شَرْحِهِ لِلْإِرْشَادِ مَعَ حِكَايَةِ الْقِصَّةِ بِأَبْسَطِ مِمَّا هُنَا عَنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ كَذَا بِهَامِشِ شَرْحِ الْبَهْجَةِ بِخَطِّ شَيْخِنَا الْبُرُلُّسِيِّ اهـ سم عَلَى حَجّ اهـ ع ش عَلَى م ر.
وَعِبَارَةُ الْحَلَبِيِّ قَوْلُهُ: وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ أَيْ الْأَرْبَعُونَ بِدَلِيلِ سِيَاقِ الْحَدِيثِ، وَفِيهِ أَنَّ مَا فَعَلَهُ عُمَرُ اشْتَهَرَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ فَصَارَ إجْمَاعًا فَمَا وَجْهُ الْمُخَالَفَةِ وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِ الزِّيَادَةِ لَا عَلَى تَعَيُّنِهَا انْتَهَتْ (قَوْلُهُ: وَيُحَدُّ الرَّجُلُ قَائِمًا، وَالْمَرْأَةُ جَالِسَةً) وَيَحُدُّهَا الرَّجُلُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَفْعَلُ بِهِ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْمَحْدُودُ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْفَضِيحَةِ مَعَ مُخَالَفَةِ الْمَأْثُورِ اهـ ح ل (قَوْلُهُ: وَتُلَفُّ امْرَأَةٌ) أَيْ غَيْرُ الْمَحْدُودَةِ وَقَوْلُهُ: أَوْ نَحْوِهَا أَيْ كَالْمُحْرِمِ وَقَوْلُهُ: عَلَيْهَا أَيْ عَلَى الْمَحْدُودَةِ فَالْمُرَادُ أَنَّ الْمَحْدُودَةَ يَلُفُّ عَلَيْهَا ثِيَابَهَا امْرَأَةٌ أُخْرَى أَوْ مُحْرِمُهَا، وَقَوْلُهُ: وَكَالْمَرْأَةِ الْخُنْثَى أَيْ فِي كَوْنِهِ يُحَدُّ جَالِسًا وَقَوْلُهُ: يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَخْتَصَّ. . . إلَخْ أَيْ بَلْ يَلُفُّهُ كُلُّ مَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute