إلَى أَنْ يَصِيرَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ يَمْشِي فِيهِ طَالِبُ الْجَمَاعَةِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ بِالظُّهْرِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ أَيْ هَيَجَانِهَا وَلَا يُجَاوِزُ بِهِ نِصْفَ الْوَقْتِ وَهَذَا (لِمُصَلَّى جَمَاعَةٍ بِمُصَلَّى) مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ (يَأْتُونَهُ) كُلُّهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ (بِمَشَقَّةٍ) فِي طَرِيقِهِمْ إلَيْهِ فَلَا يُسَنُّ فِي وَقْتٍ وَلَا بَلَدٍ بَارِدَيْنِ أَوْ مُعْتَدِلَيْنِ وَلَا لِمَنْ يُصَلِّي بِبَيْتِهِ مُنْفَرِدًا أَوْ جَمَاعَةً وَلَا لِجَمَاعَةٍ بِمُصَلًّى يَأْتُونَهُ بِلَا مَشَقَّةٍ أَوْ حَضَرُوهُ وَلَا يَأْتِيهِمْ غَيْرُهُمْ أَوْ يَأْتِيهِمْ غَيْرُهُمْ بِلَا مَشَقَّةٍ عَلَيْهِ فِي إتْيَانِهِ كَأَنْ كَانَ مَنْزِلُهُ بِقُرْبِ الْمُصَلَّى أَوْ بَعِيدًا وَثَمَّ ظِلٌّ يَأْتِي فِيهِ وَتَعْبِيرِي بِمُصَلَّى وَبِمَشَقَّةٍ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِمَسْجِدٍ وَبِمَنْ بَعُدَ وَخَرَجَ بِالظُّهْرِ غَيْرُهَا وَلَوْ جُمُعَةً لِشِدَّةِ خَطَرِ فَوْتِهَا الْمُؤَدِّي إلَيْهِ تَأْخِيرُهَا بِالتَّكَاسُلِ وَلِأَنَّ النَّاسَ مَأْمُورُونَ بِالتَّبْكِيرِ إلَيْهَا فَلَا يَتَأَذَّوْنَ بِالْحَرِّ وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُبْرِدُ بِهَا بَيَانٌ لِلْجَوَازِ فِيهَا مَعَ عِظَمِهَا مَعَ أَنَّ التَّعْلِيلَ الْأَوَّلَ مُنْتَفٍ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
ــ
[حاشية الجمل]
لِلْعَلَّامَةِ حَجّ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: إلَى أَنْ يَصِيرَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ) وَلَا يُشْتَرَطُ لِسَنِّ التَّأْخِيرِ وُجُودُ الظِّلِّ الْمَذْكُورِ بَلْ يُسَنُّ الْإِبْرَادُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي طَرِيقِهِ ظِلٌّ أَصْلًا كَأَنْ كَانَ فِي صَحْرَاءَ؛ لِأَنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ تَنْكَسِرُ بِالتَّأْخِيرِ كَمَا فِي ع ش اهـ شَيْخُنَا ح ف
(فَرْعٌ) سَأَلَ سَائِلٌ هَلْ يُسَنُّ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ فِي شِدَّةِ الْبَرْدِ إلَى أَنْ يَخِفَّ الْبَرْدُ الشَّاغِلُ السَّالِبُ لِلْخُشُوعِ قِيَاسًا عَلَى مَا وَرَدَ فِي الْحَرِّ وَأَجَابَ م ر بِأَنَّهُ لَا يُسَنُّ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَادَ فِي الْحَرِّ رُخْصَةٌ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ اهـ سم أَقُولُ الْأَوْلَى الْجَوَابُ بِأَنَّ زِيَادَةَ الظِّلِّ مُحَقَّقَةٌ فَلِزَوَالِ الْحَرِّ أَمَدٌ يُنْتَظَرُ وَلَا كَذَلِكَ الْبَرْدُ، فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ زِيَادَتُهُ مَعَ التَّأْخِيرِ لِعَدَمِ وُجُودِ عَلَامَةٍ تَدُلُّ عَلَى زَوَالِهِ عَادَةً، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ جَوَازُ جَرَيَانِ الْقِيَاسِ فِي الرُّخَصِ عَلَى مَا فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ) هِيَ مُبَيِّنَةٌ لِلْمُرَادِ مِنْ الْأَوْلَى اهـ ع ش (قَوْلُهُ: «فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» ) وَوَرَدَ أَيْضًا «، فَإِنَّ شِدَّةَ الْبَرْدِ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْفَيْحُ سُطُوعُ الْحَرِّ وَفَوَرَانُهُ وَيُقَالُ بِالْوَاوِ وَفَاحَتْ الْقِدْرُ تَفِيحُ وَتَفُوحُ إذَا غَلَتْ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ التَّشْبِيهِ وَالتَّمْثِيلِ أَيْ كَأَنَّهُ نَارُ جَهَنَّمَ فِي حَرِّهَا اهـ وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِهِ اسْتَشْكَلَ بِأَنَّ فِعْلَ الصَّلَاةِ مَظِنَّةُ وُجُودِ الرَّحْمَةِ كَفِعْلِهَا مَظِنَّةَ طَرْدِ الْعَذَابِ فَكَيْفَ أَمَرَ بِتَرْكِهَا وَأُجِيبَ بِأَنَّ وَقْتَ ظُهُورِ الْغَضَبِ لَا يَنْجَحُ فِيهِ الطَّلَبُ إلَّا مِمَّنْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ انْتَهَى. وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِي هَذَا الْإِشْكَالِ مِنْ أَصْلِهِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ قَدْ تَكُونُ نِعْمَةً مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ لِإِصْلَاحِ مَعَايِشِهِمْ فَلَا تَكُونُ بِمُجَرَّدِهَا عَلَامَةً عَلَى الْغَضَبِ وَكَوْنُ الْإِنْسَانِ قَدْ يَحْصُلُ لَهُ مَشَقَّةٌ مِنْهَا لَا يُنَافِي كَوْنَهَا نِعْمَةً مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى عِبَادِهِ، وَإِنْ صَحِبَهَا مَشَقَّةٌ اهـ ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ: وَهَذَا لِمُصَلِّي جَمَاعَةٍ) قَيْدٌ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ فَقَطْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ؛ لِأَنَّهُ يُسَنُّ الْإِبْرَادُ لِمُنْفَرِدٍ يُرِيدُ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر وَعِبَارَتُهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ الْإِبْرَادُ لِمُنْفَرِدٍ يُرِيدُ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ وَفِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ إشْعَارٌ بِسَنِّهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ انْتَهَتْ.
وَعِبَارَةُ سم وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ فِي غَيْرِ الْمُنْفَرِدِ تَفْضِيلُ تَأْخِيرِ صَلَاةِ مَنْ يُصَلِّي جَمَاعَةً بِمَحَلِّ الْجَمَاعَةِ عَلَى صَلَاتِهِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ بِبَيْتِهِ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ فِعْلُهَا فِيهِ جَمَاعَةً مَعَ أَهْلِهِ أَوْ غَيْرِهِمْ فَلْيُتَأَمَّلْ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: بِمَشَقَّةٍ) أَيْ تَسْلُبُ الْخُشُوعَ أَوْ كَمَالَهُ وَحِينَئِذٍ تَكُونُ صَلَاتُهُمْ مَعَ هَذَا التَّأْخِيرِ أَفْضَلَ مِنْ صَلَاةِ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ جَمَاعَةً فِي بَيْتِهِ اهـ ح ل وَهَلْ يُعْتَبَرُ خُصُوصُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى انْفِرَادِهِ مِنْ الْمُصَلِّينَ حَتَّى لَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ مَرِيضًا أَوْ شَيْخًا يَزُولُ خُشُوعُهُ بِمَجِيئِهِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَلَوْ مِنْ قُرْبٍ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِبْرَادُ أَوْ الْعِبْرَةُ بِغَالِبِ النَّاسِ فَلَا يُلْتَفَتُ لِمَنْ ذَكَرَ فِيهِ نَظَرٌ وَلَا يَبْعُدُ الثَّانِي ثُمَّ رَأَيْت حَجّ صَرَّحَ بِهِ اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: فَلَا يُسَنُّ فِي وَقْتٍ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر فَلَا يُسَنُّ الْإِبْرَادُ فِي غَيْرِ شِدَّةِ الْحَرِّ وَلَوْ بِقُطْرٍ حَارٍّ وَلَا فِي قُطْرٍ بَارِدٍ أَوْ مُعْتَدِلٍ، وَإِنْ اتَّفَقَ فِيهِ شِدَّةُ الْحَرِّ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ: بَارِدَيْنِ أَوْ مُعْتَدِلَيْنِ) أَيْ وَإِنْ عَرَضَ فِيهِمَا حَرٌّ شَدِيدٌ كَمَا يُفِيدُهُ عُمُومُ كَلَامِهِ هُنَا فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْحَرُّ الشَّدِيدُ فِي زَمَنِهِ عَادَةً اهـ ح ل (قَوْلُهُ: وَلَا لِمَنْ يُصَلِّي بِبَيْتِهِ مُنْفَرِدًا) هَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ بِمُصَلًّى وَتَرَكَ مُحْتَرَزَ الَّذِي قَبْلَهُ أَيْ جَمَاعَةً؛ لِأَنَّ الِانْفِرَادَ إنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ فَيُسَنُّ الْإِبْرَادُ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ فَلَا يُسَنُّ فَسَكَتَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَفْصِيلًا وَقَوْلُهُ وَلَا لِجَمَاعَةٍ بِمُصَلًّى إلَخْ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ بِمَشَقَّةٍ وَقَوْلَهُ أَوْ حَضَرُوهُ وَلَا يَأْتِيهِمْ إلَخْ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ يَأْتُونَهُ وَقَوْلُهُ أَوْ يَأْتِيهِمْ غَيْرُهُمْ إلَخْ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ بِمَشَقَّةٍ أَيْضًا فَكَانَ الْأَنْسَبُ جَعْلَهُ مَعَ قَوْلِهِ وَلَا لِجَمَاعَةٍ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ أَخَّرَهُ فِي الْخُرُوجِ بِالْقَيْدِ الْأَخِيرِ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: وَلَا يَأْتِيهِمْ غَيْرُ هُمْ إلَخْ) أَيْ أَوْ كَانُوا فِيهِ سَقِيمِينَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يَأْتِيهِمْ غَيْرُهُمْ بِمَشَقَّةٍ فَيُسَنُّ لِلْحَاضِرِينَ بِالْمُصَلَّى الْإِبْرَادُ وَلَوْ كَانَ فِيهِمْ الْإِمَامُ اهـ ح ل
(قَوْلُهُ: وَلَوْ جُمُعَةً) هَذِهِ الْغَايَةُ لِلتَّعْمِيمِ لَا لِلرَّدِّ اهـ شَيْخُنَا لَكِنْ رَأَيْت فِي شَرْحِ الْمَحَلِّيِّ مَا نَصُّهُ وَفِي اسْتِحْبَابِ الْإِبْرَادِ بِالْجُمُعَةِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا نَعَمْ لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُبْرِدُ بِالْجُمُعَةِ» وَأَصَحُّهُمَا لَا لِشِدَّةِ الْخَطَرِ فِي فَوَاتِهَا الْمُؤَدِّي إلَيْهِ تَأْخِيرُهَا بِالتَّكَاسُلِ وَهَذَا مَفْقُودٌ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَتْ (قَوْلُهُ: مَعَ عِظَمِهَا) أَيْ لِأَنَّ عِظَمَهَا رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ مِنْهُ وُجُوبُ تَعْجِيلِهَا وَعَدَمُ جَوَازِ الْإِبْرَادِ بِهَا اهـ لِكَاتِبِهِ (قَوْلُهُ: مَعَ أَنَّ التَّعْلِيلَ الْأَوَّلَ) هُوَ شِدَّةُ خَطَرِهَا أَيْ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ الْأَوَّلُ وَهُوَ التَّكَاسُلُ فَهَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute