وَهِيَ عِشْرُونَ رَكْعَةً بِعَشْرِ تَسْلِيمَاتٍ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ رَوَى الشَّيْخَانِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَرَجَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ لَيَالِيَ مِنْ رَمَضَانَ وَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ وَصَلَّى النَّاسُ بِصَلَاتِهِ فِيهَا وَتَكَاثَرُوا فَلَمْ يَخْرُجْ لَهُمْ فِي الرَّابِعَةِ وَقَالَ لَهُمْ صَبِيحَتَهَا خَشِيت أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ صَلَاةُ اللَّيْلِ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا» وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ
ــ
[حاشية الجمل]
فِي زَمَنِهِ وَعَمِلَهَا اهـ شَرْحُ م ر وَمِنْ الْبِدَعِ مَا يُفْعَلُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْبُلْدَانِ مِنْ إيقَادِ الْقَنَادِيلِ الْكَثِيرَةِ السَّرَفِ فِي لَيَالٍ مَعْرُوفَةٍ مِنْ السَّنَةِ كَلَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ وَيَحْصُلُ بِسَبَبِ ذَلِكَ مَفَاسِدُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا مُضَاهَاةُ الْمَجُوسِ فِي الِاعْتِنَاءِ بِالنَّارِ وَمِنْهَا إضَاعَةُ الْمَالِ فِي غَيْرِ وَجْهِ الْحِلِّ وَمِنْهَا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ اجْتِمَاعِ الصِّبْيَانِ وَأَهْلِ الْبَطَالَةِ وَلَعِبِهِمْ وَرَفْعِ أَصْوَاتِهِمْ وَامْتِهَانِهِمْ الْمَسَاجِدَ وَانْتِهَاكِ حُرْمَتِهَا وَحُصُولِ الْأَوْسَاخِ فِيهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَفَاسِدِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي يَجِبُ صِيَانَةُ الْمَسْجِدُ عَنْ أَفْرَادِهَا، وَمِنْ الْمَفَاسِدِ أَيْضًا مَا يُفْعَلُ فِي الْجَوَامِعِ مِنْ إيقَادِ الْقَنَادِيلِ وَتَرْكِهَا إلَى أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ ثُمَّ تُرْفَعْ بَعْدَ ذَلِكَ وَهُوَ مِنْ أَفْعَالِ الْيَهُودِ فِي كَنَائِسِهِمْ وَأَكْثَرُ مَا يُفْعَلُ ذَلِكَ فِي يَوْمِ الْعِيدِ وَهُوَ حَرَامٌ وَيُشْبِهُهُ وُقُودُ الشَّمْعِ الْكَثِيرِ لَيْلَةَ بَدْرٍ وَعَرَفَةَ، وَقَدْ ذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ حَرَامٌ شَدِيدُ التَّحْرِيمِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ وَقْتَ وِتْرٍ) خَبَرٌ لِكَانَ الْمَحْذُوفَةِ وَالتَّقْدِيرُ وَوَقْتُهَا يَكُونُ وَقْتَ وِتْرٍ فَهُوَ كَلَامٌ مُسْتَقِلٌّ وَلَيْسَ قَيْدًا فِي سَنِّ الْجَمَاعَةِ فِيهَا اهـ شَيْخُنَا ثُمَّ رَأَيْت فِي الْبِرْمَاوِيِّ مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ وَقْتُ وِتْرٍ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ وَوَقْتُهَا وَقْتُ وِتْرٍ وَلَا يَصِحُّ تَعَلُّقُهُ بِتَرَاوِيحَ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ لَهَا وَقْتَيْنِ وَقْتَ وِتْرٍ تُسَنُّ فِيهِ الْجَمَاعَةُ وَغَيْرُ وَقْتِ وِتْرٍ لَا تُسَنُّ فِيهِ الْجَمَاعَةُ اهـ.
(قَوْلُهُ وَهِيَ عِشْرُونَ رَكْعَةً) أَيْ: فِي حَقِّ غَيْرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَمَّا أَهْلُ الْمَدِينَةِ فَلَهُمْ فِعْلُهَا سِتًّا وَثَلَاثِينَ وَالسِّرُّ فِي كَوْنِهَا عِشْرِينَ أَنَّ الرَّوَاتِبَ أَيْ: الْمُؤَكَّدَةَ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ عَشْرُ رَكَعَاتٍ فَضُوعِفَتْ اهـ شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ فَضُوعِفَتْ فِيهِ أَيْ وَجُعِلَتْ بِتَضْعِيفِهَا زِيَادَةً فِي رَمَضَانَ وَإِلَّا فَالرَّوَاتِبُ مَطْلُوبَةٌ فِي رَمَضَانَ أَيْضًا أَوْ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ ضِعْفَ الشَّيْءِ مِثْلَاهُ اهـ رَشِيدِيٌّ وَكَانَتْ لَيْلًا لِقُوَّةِ الْأَبْدَانِ فِيهِ بِالْفِطْرِ وَلِأَنَّهُ مَحَلُّ عَدَمِ الرِّيَاءِ وَفِعْلُهَا بِالْقُرْآنِ فِي جَمِيعِ الشَّهْرِ أَوْلَى وَأَفْضَلُ مِنْ تَكْرِيرِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْهَا وَمِنْ تَكْرِيرِ سُورَةِ الرَّحْمَنِ أَوْ هَلْ أَتَى فِي جَمِيعِهَا وَمِنْ تَكْرِيرِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ بَعْدَ كُلِّ سُورَةٍ مِنْ التَّكَاثُرِ إلَى الْمَسَدِ كَمَا اعْتَادَهُ غَالِبُ الْأَئِمَّةِ بِمِصْرَ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ لَيَالِيَ مِنْ رَمَضَانَ) هِيَ ثَلَاثَةٌ مُتَفَرِّقَةٌ الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ وَالْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ وَالسَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ وَكَانَ ذَلِكَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ، وَقَوْلُهُ " وَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ " أَيْ: ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ، وَأَمَّا الْبَقِيَّةُ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهَا فِي بَيْتِهِ قَبْلَ مَجِيئِهِ أَوْ بَعْدَهُ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ اهـ مِنْ ع ش عَلَى م ر.
وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَاسْتَمَرَّ يُصَلِّيهَا فِي بَيْتِهِ فُرَادَى إلَى آخِرِ الشَّهْرِ وَهَذَا كَمَا تَرَى يُشْعِرُ بِإِنَّهَا لَمْ تُشْرَعْ إلَّا فِي آخِرِ سِنِي الْهِجْرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّاهَا مَرَّةً ثَانِيَةً وَلَا وَقَعَ عَنْهَا سُؤَالٌ ثُمَّ رَأَيْت فِي بَعْضِ الْهَوَامِشِ أَنَّهَا شُرِعَتْ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ حِينَ بَقِيَ مِنْ الشَّهْرِ تِسْعُ لَيَالٍ لَكِنْ صَلَّاهَا مُفَرَّقَةً لَيْلَةَ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ وَالْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ وَالسَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ وَانْتَظَرُوهُ لَيْلَةَ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ فَلَمْ يَخْرُجْ لَهُمْ وَقَالَ: خَشِيت إلَخْ، وَعَنْ «النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قُمْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثَ لَيَالٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ ثُمَّ قُمْنَا مَعَهُ لَيْلَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ ثُمَّ قُمْنَا مَعَهُ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنْ لَا نُدْرِكَ الْفَلَاحَ» انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ فَلَمْ يَخْرُجْ لَهُمْ فِي الرَّابِعَةِ) أَيْ: وَانْقَطَعَ النَّاسُ عَنْ فِعْلِهَا جَمَاعَةً فِي الْمَسْجِدِ مِنْ حِينَئِذٍ وَصَارُوا يَفْعَلُونَهَا فِي بُيُوتِهِمْ إلَى السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ وَهِيَ سَنَةُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ مِنْ الْهِجْرَةِ اهـ شَيْخُنَا.
وَعِبَارَةُ الْجَلَالِ فَلَمْ يَخْرُجْ لَهُمْ فِي اللَّيْلَةِ الرَّابِعَةِ وَانْقَطَعَ النَّاسُ عَنْ فِعْلِهَا جَمَاعَةً فِي الْمَسْجِدِ إلَى زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَفَعَلَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ فَجَمَعَهُمْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَصَلَّى بِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ قَبْلَ أَنْ يَنَامُوا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ انْتَهَتْ، وَقَوْلُهُ " فَجَمَعَهُمْ عُمَرُ " أَيْ: جَمَعَ الرِّجَالَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ قُرْآنًا وَجَمَعَ النِّسَاءَ عَلَى سُلَيْمَانَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ وَقِيلَ عَلَى تَمِيمٍ الدَّارِيِّ اهـ ق ل عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ «خَشِيت أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ صَلَاةُ اللَّيْلِ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا» ) أَيْ: يَشُقُّ عَلَيْكُمْ فِعْلُهَا فَتَتْرُكُونَهَا مَعَ الْقُدْرَةِ وَإِلَّا فَالْعَجْزُ الْكُلِّيُّ يُسْقِطُ التَّكْلِيفَ مِنْ أَصْلِهِ وَفِيهِ كَيْفَ يَأْتِي هَذَا مَعَ قَوْلِهِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ هُنَّ خَمْسٌ وَهُنَّ خَمْسُونَ لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ هَذَا فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فَلَا يُنَافِي فَرْضَ شَيْءٍ آخَرَ فِي الْعَامِ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ خَشِيت أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ جَمَاعَةً فِي الْمَسْجِدِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى «فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ»