للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِخَبَرِ «مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ أَوْ بَدْوٍ لَا تُقَامُ فِيهِمْ الْجَمَاعَةُ وَفِي رِوَايَةٍ الصَّلَاةُ إلَّا اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ» أَيْ غَلَبَ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ وَمَا قِيلَ إنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ «وَلَقَدْ هَمَمْت أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ

ــ

[حاشية الجمل]

قَوْله تَعَالَى {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: ١٠٤] ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ يَتَعَيَّنُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ فَيَصِيرُ بِذَلِكَ مِثْلَ فَرْضِ الْعَيْنِ فِي وُجُوبِ الْإِتْمَامِ فَيَجِبُ إتْمَامُ الْجِنَازَةِ، وَالِاسْتِمْرَارُ فِيهَا، وَالِاسْتِمْرَارُ فِي صَفِّ الْجِهَادِ اهـ. مِنْ هَامِشِ شَرْحِ م ر عَنْ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ (قَوْلُهُ أَيْضًا فَرْضُ كِفَايَةٍ) وَقِيلَ فَرْضُ عَيْنٍ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَمَا قِيلَ إلَخْ، وَقَدْ تَكَفَّلَ الشَّارِحُ بِدَلِيلِ الْقَوْلَيْنِ، وَقِيلَ سُنَّةُ كِفَايَةٍ لِحَدِيثِ «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» إلَخْ، وَالْأَفْضَلِيَّةُ تَقْتَضِي النَّدْبِيَّةَ.

وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ انْتَهَتْ.

وَقَوْلُهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ أَيْ عَلَى الْكِفَايَةِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُعَاقِبْ مَنْ تَرَكَهَا اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ فَتَلَخَّصَ أَنَّ فِيهَا ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ، وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّهَا سُنَّةُ عَيْنٍ فَلَمْ نَجِدْهُ الْآنَ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي جَمَاعَةِ الْمَكْتُوبَةِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى جَمَاعَةٍ غَيْرِهَا، وَقَوْلُهُ فَلَمْ نَجِدْهُ الْآنَ لَكِنْ وَجَدْنَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ سم عَلَى أَبِي شُجَاعٍ حَيْثُ حَمَلَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ وَصَلَاةُ الْجَمَاعَةِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ حَيْثُ قَالَ أَيْ سُنَّةُ عَيْنٍ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ يَنْعَقِدُ نَذْرُهَا حَيْثُ لَمْ يَتَوَقَّفْ الشِّعَارُ عَلَى النَّاذِرِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهَا عَلَى الْقَاعِدَةِ فِي فُرُوضِ الْأَعْيَانِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا سُنَّةُ كِفَايَةٍ يَنْعَقِدُ نَذْرُهَا أَيْضًا، وَلَا يُقَالُ لَا يَنْعَقِدُ لِأَنَّ النَّاذِرَ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُكَلِّفَ غَيْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مَعَهُ لِتَحْصُلَ الْجَمَاعَةُ فَيَخْرُجَ عَنْ نَذْرِهِ لِأَنَّا نَقُولُ لَا الْتِفَاتَ لِذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَى النَّذْرِ الْتِزَامُ الْجَمَاعَةِ إذَا أَمْكَنَهُ فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ مَنْ يُصَلِّي مَعَهُ سَقَطَتْ عَنْهُ اهـ. سم بِنَوْعِ تَصَرُّفٍ (فَرْع) إذَا قُلْنَا إنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَفَعَلَهَا مَنْ يَحْصُلُ بِهِ الشِّعَارُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُتَأَكِّدَةٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ بِحَيْثُ يُكْرَهُ تَرْكُهَا أَيْضًا كَمَا يُرْشِدُ لِذَلِكَ عُمُومُ قَوْلِهِمْ، وَعُذْرُ تَرْكِهَا كَذَا، وَكَذَا إلَخْ، وَقَوْلُ الْمِنْهَاجِ، وَلَا رُخْصَةَ فِي تَرْكِهَا، وَإِنْ قُلْنَا سُنَّةٌ إلَّا لِعُذْرٍ اهـ. سم.

(قَوْلُهُ «مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ» ) مَا زَائِدَةٌ وَثَلَاثَةٌ مُبْتَدَأٌ، وَقَوْلُهُ فِي قَرْيَةٍ صِفَةٌ أَيْ كَائِنُونَ فِي قَرْيَةٍ أَوْ بَدْوٍ، وَقَوْلُهُ لَا تُقَامُ فِيهِمْ صِفَةٌ ثَانِيَةٌ، وَقَوْلُهُ إلَّا اسْتَحْوَذَ هُوَ الْخَبَرُ اهـ. شَيْخُنَا، وَفِي الْمُخْتَارِ الْبَدْوُ الْبَادِيَةُ وَالنِّسْبَةُ إلَيْهَا بَدَوِيٌّ اهـ.

وَانْظُرْ وَجْهَ دَلَالَةِ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى كَوْنِ الْجَمَاعَةِ فَرْضَ كِفَايَةٍ لَا يُقَالُ تُؤْخَذُ الدَّلَالَةُ مِنْ آخِرِ الْحَدِيثِ أَعْنِي قَوْلَهُ «فَعَلَيْك بِالْجَمَاعَةِ» إلَخْ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ إلَّا كَوْنُهَا فَرْضَ عَيْنٍ تَأَمَّلْ، وَفِيهِ شَيْءٌ ثُمَّ رَأَيْت ح ل قَالَ وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ قَالَ لَا تُقَامُ فِيهِمْ، وَلَمْ يَقُلْ لَا يُقِيمُونَ الْجَمَاعَةَ اهـ. بِحُرُوفِهِ.

وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ لَمْ يَقُلْ لَا يُقِيمُونَ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ عَدَمِ سُقُوطِ الْحَرَجِ بِغَيْرِ فِعْلِ الثَّلَاثَةِ كَاثْنَيْنِ مِنْهُمْ تَأَمَّلْ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ «إلَّا اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ» ) تَتِمَّةُ الْحَدِيثِ «فَعَلَيْك بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ مِنْ الْغَنَمِ الْقَاصِيَةِ» أَيْ الْبَعِيدَةِ، وَقَوْلُهُ أَيْ غَلَبَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ الِاسْتِحْوَاذُ الْبُعْدُ عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ عَلَى تَرْكِ السُّنَّةِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ، وَقَوْلُهُ الْبُعْدُ لَعَلَّهُ الْإِبْعَادُ (قَوْلُهُ وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ إلَخْ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ أُجِيبَ عَنْهُ إلَخْ فَالضَّمِيرُ فِي أُجِيبَ عَنْهُ يَرْجِعُ لِلْمُبْتَدَإِ الَّذِي هُوَ الْقَوْلُ بِفَرْضِيَّةِ الْعَيْنِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْجَوَابَ لَيْسَ عَنْهُ، وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ دَلِيلِهِ فَيُقَدَّرُ مُضَافٌ فِي قَوْلِهِ أُجِيبَ عَنْهُ أَيْ عَنْ دَلِيلِهِ.

وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَقِيلَ إنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ لِلْخَبَرِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَلَقَدْ هَمَمْت أَنْ آمُرَ إلَى أَنْ قَالَ وَقَدْ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ وَارِدٌ إلَخْ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَيْسَتْ الْجَمَاعَةُ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ اهـ. شَرْحُ م ر.

(قَوْلُهُ «وَلَقَدْ هَمَمْت أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ» ) قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التَّقْرِيبِ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ وَالْعُلَمَاءُ فِي تَعْيِينِ الصَّلَاةِ الْمُتَوَعَّدِ عَلَى تَرْكِهَا بِالتَّحْرِيقِ هَلْ هِيَ الْعِشَاءُ أَوْ الصُّبْحُ أَوْ الْجُمُعَةُ، وَظَاهِرُ رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ الْمُرَادَ الْعِشَاءُ لِقَوْلِهِ فِي آخِرِهِ «لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَظْمًا سَمِينًا أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ الْعِشَاءَ» ، وَقِيلَ هِيَ الْعِشَاءُ وَالصُّبْحُ مَعًا، وَيَدُلُّ لَهُ مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَفِي بَعْضِ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ «أَثْقَلَ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَصَلَاةُ الْفَجْرِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا وَلَقَدْ هَمَمْت» فَذَكَرَهُ، وَقِيلَ هِيَ الْجُمُعَةُ، وَيَدُلُّ لَهُ رِوَايَةُ الْبَيْهَقِيّ «فَأُحَرِّقَ عَلَى قَوْمٍ بُيُوتَهُمْ لَا يَشْهَدُونَ الْجُمُعَةَ» ، وَحَدِيثُ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِقَوْمِ يَتَخَلَّفُونَ عَنْ الْجُمُعَةِ وَلَقَدْ هَمَمْت» فَذَكَرَهُ فَبِتَقْدِيرِ صِحَّةِ كُلٍّ مِنْ الرِّوَايَاتِ يَحْتَمِلُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الصَّلَوَاتِ الْمَذْكُورَةِ كَانَ بَاعِثًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى إرَادَةِ التَّحْرِيقِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر، وَفِي الْقَسْطَلَّانِيِّ عَلَى الْبُخَارِيِّ الْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ الْعِشَاءُ أَوْ الْفَجْرُ أَوْ الْجُمُعَةُ أَوْ مُطْلَقُ الصَّلَاةِ كُلُّهَا رِوَايَاتٌ، وَلَا تَضَادَّ لِجَوَازِ تَعَدُّدِ الْوَاقِعَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>