للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ فَضِيلَةَ الْأَوَّلِ فِي ذَاتِهِ وَالثَّانِي فِي آبَائِهِ وَفَضِيلَةُ الذَّاتِ أَوْلَى وَرَوَى الشَّيْخَانِ «لِيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ» وَرَوَى مُسْلِمٌ خَبَرَ «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِنًّا وَفِي رِوَايَةٍ سِلْمًا» «وَلَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ» وَفِي رِوَايَةٍ «فِي بَيْتِهِ وَلَا سُلْطَانِهِ وَلَا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ» فَظَاهِرُهُ تَقْدِيمُ الْأَقْرَإِ عَلَى الْأَفْقَهِ كَمَا هُوَ وَجْهٌ.

وَأَجَابَ عَنْهُ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّ الصَّدْرَ الْأَوَّلَ كَانُوا يَتَفَقَّهُونَ مَعَ الْقِرَاءَةِ فَلَا يُوجَدُ قَارِئٌ إلَّا وَهُوَ فَقِيهٌ وَلِلنَّوَوِيِّ فِيهِ إشْكَالٌ ذَكَرْته مَعَ جَوَابِهِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَفْقَهُ وَالْأَقْرَأُ صَبِيًّا أَوْ مُسَافِرًا أَوْ فَاسِقًا أَوْ وَلَدَ زِنًا

ــ

[حاشية الجمل]

وَيُقَدَّمُ ابْنُ الْعَالِمِ، وَالصَّالِحِ عَلَى غَيْرِهِ. اهـ. ح ل (قَوْلُهُ لِأَنَّ فَضِيلَةَ الْأَوَّلِ فِي ذَاتِهِ إلَخْ) هَذَا التَّعْلِيلُ لِتَقَدُّمِ الْأَسَنِّ عَلَى الْأَنْسَبِ عَلَى خِلَافِ عَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَحِلِّ مِنْ إيصَالِ كُلِّ عِلَّةٍ بِمَعْلُولِهَا، وَانْظُرْ مَا الْحِكْمَةُ فِي ارْتِكَابِهِ خِلَافَهَا، وَقَوْلُهُ وَرَوَى الشَّيْخَانِ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ فَهُوَ دَلِيلٌ ثَانٍ لِهَذِهِ الدَّعْوَةِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ وَرَوَى مُسْلِمٌ إلَخْ فَهُوَ دَلِيلٌ لِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ عَلَى مَا فِيهِ اهـ. شَيْخُنَا (قَوْلُهُ لِيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ) يَجُوزُ فِي الْمِيمِ الْحَرَكَاتُ الثَّلَاثُ، وَإِنْ كَانَ الضَّمُّ أَوْلَى لِلِاتِّبَاعِ، وَالْفَتْحُ كَذَلِكَ لِلْخِفَّةِ اهـ. شَيْخُنَا (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً) قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ سَوَاءً خَبَرُ كَانَ، وَالضَّمِيرُ اسْمُهَا، وَأُفْرِدَ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ، وَالْمَصْدَرُ لَا يُثَنَّى، وَلَا يُجْمَعُ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {لَيْسُوا سَوَاءً} [آل عمران: ١١٣] وَالتَّقْدِيرُ مُسْتَوِينَ فَوَقَعَ الْمَصْدَرُ اسْمَ الْفَاعِلِ اهـ. شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ) قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْأَعْلَمُ بِالسُّنَّةِ هُوَ الْأَفْقَهُ اهـ. لَا يُقَالُ هَذَا يُعَيِّنُ أَنْ لَا يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْأَقْرَإِ فِي الْحَدِيثِ الْأَفْقَهِ، وَسَيَأْتِي فِي جَوَابِ الشَّافِعِيِّ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ لِأَنَّا نَقُولُ لَا مُخَالَفَةَ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ الْأَقْرَأُ فِي الْحَدِيثِ عَلَى الْأَفْقَهِ، وَيَعْنِي بِالْأَفْقَهِ كَثْرَةَ مَا حَفِظَهُ مِنْ الْقُرْآنِ وَفَهِمَهُ فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْقِرَاءَةِ فَأَفْقَهُهُمْ مِنْ حَيْثُ عِلْمُهُ بِأَحْكَامِ السُّنَّةِ، وَذَلِكَ فِقْهٌ خَارِجٌ عَنْ فِقْهِ الْقُرْآنِ، وَهَذَا الْجَوَابُ ذَكَرَهُ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ. اهـ. عَمِيرَةُ.

وَاعْلَمْ أَنَّ قَضِيَّةَ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ إلَّا عِلْمِيَّةً بِالسُّنَّةِ إلَّا بَعْدَ الِاسْتِوَاءِ، وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ حَفِظَ جَمِيعَ الْقُرْآنِ، وَعُشْرَ السُّنَّةِ يُقَدَّمُ عَلَى مَنْ حَفِظَ جَمِيعَ الْقُرْآنِ إلَّا الْمُعَوِّذَتَيْنِ، وَحَفِظَ تِسْعَةَ أَعْشَارِ السُّنَّةِ، وَفِي ذَلِكَ تَقْدِيمُ غَيْرِ الْأَفْقَهِ عَلَيْهِ اهـ. سم (قَوْلُهُ وَفِي رِوَايَةٍ سِلْمًا) بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ إسْلَامًا اهـ. بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ عَلَى تَكْرِمَتِهِ) هِيَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْفِرَاشُ، وَنَحْوُهُ مِمَّا يُبْسَطُ لِصِحَابِ الْمَنْزِلِ، وَيَخْتَصُّ بِهِ كَذَا فِي تَعْلِيقِ السُّيُوطِيّ عَلَى مُسْلِمٍ، وَقِيلَ مَا اتَّخَذَهُ لِنَفْسِهِ مِنْ الْفِرَاشِ، وَقِيلَ الطَّعَامُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ هُمَا اهـ. شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُ إلَخْ) هَذَا الْإِيرَادُ، وَجَوَابُهُ الْمَذْكُورُ هُمَا بِعَيْنِهِمَا الْمَذْكُورَانِ فِي عِبَارَةِ شَرْحِ الرَّوْضِ الْمُشَارِ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ وَلِلنَّوَوِيِّ فِيهِ إشْكَالٌ إلَخْ كَمَا يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ سِيَاقُهُ يُوهِمُ أَنَّ مَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ غَيْرُ مَا هُنَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَأَجَابَ عَنْهُ الشَّافِعِيُّ إلَخْ) لَمْ يُنْتِجْ هَذَا الْجَوَابَ الْمُدَّعَى، وَهُوَ تَقْدِيمُ الْأَفْقَهِ بِالصَّلَاةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْأَفْقَهُ اللَّازِمُ لِلْأَقْرَأِ أَفْقَهَ بِغَيْرِ الصَّلَاةِ لِكَوْنِ مَا حَفِظَهُ مِنْ الْقُرْآنِ مُتَعَلِّقًا بِغَيْرِهَا اهـ. ح ل، وَوَجْهُ أَخْذِ تَقْدِيمِ الْأَوْرَعِ عَلَى الْأَقْدَمِ هِجْرَةً مِنْ الْخَبَرِ أَنَّ الْغَالِبَ عَلَى الْأَعْلَمِ بِالنِّسْبَةِ الْوَرَعُ اهـ. شَرْحُ التَّحْرِيرِ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ الَّذِي فِي هَذَا، وَاَلَّذِي فِي الْأَقْرَإِ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَصْرِ الْأَوَّلِ، وَانْظُرْ أَخْذَ تَقْدِيمِ الْأَفْقَهِ الْغَيْرِ الْقَارِئِ فِي عَصْرِنَا عَلَى الْقَارِئِ الْغَيْرِ الْأَفْقَهِ مِنْ الْخَبَرِ، وَانْظُرْ أَيْضًا أَخْذَ تَقْدِيمِ الْأَوْرَعِ الْغَيْرِ الْعَالِمِ بِالسُّنَّةِ عَلَى الْأَقْدَمِ هِجْرَةً مِنْهُ اهـ. شَيْخُنَا.

(قَوْلُهُ كَانُوا يَتَفَقَّهُونَ) أَيْ يَتَفَهَّمُونَ كُلَّ شَيْءٍ قَرَءُوهُ مِنْ الْقُرْآنِ، وَفِيهِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ إنَّمَا هُوَ الْفِقْهُ الْمُتَعَلِّقُ بِالصَّلَاةِ، وَكَوْنُهُمْ يَفْهَمُونَ مَعْنَى الْآيَاتِ الْمَحْفُوظَةِ لَهُمْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ مَعْنَى الْآيَاتِ يَتَعَلَّقُ بِالصَّلَاةِ اهـ. شَيْخُنَا (قَوْلُهُ أَيْضًا كَانُوا يَتَفَقَّهُونَ مَعَ الْقِرَاءَةِ) أَيْ يَعْرِفُونَ الْفِقْهَ الْمُتَعَلِّقَ بِالْآيَاتِ فَالْفِقْهُ لَازِمٌ اهـ. ح ل فَهُوَ مِنْ إطْلَاقِ الْمَلْزُومِ وَإِرَادَةِ اللَّازِمِ اهـ. شَيْخُنَا.

(قَوْلُهُ وَلِلنَّوَوِيِّ فِيهِ) أَيْ الْحَدِيثُ إشْكَالٌ إلَخْ، وَالْإِشْكَالُ أَنَّ قَوْلَهُ فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ دَلِيلٌ عَلَى تَقْدِيمِ الْأَقْرَإِ عَلَى الْأَفْقَهِ أَيْ لِأَنَّ عِلْمَ السُّنَّةِ هُوَ الْفِقْهُ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ قَدْ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَقْرَإِ فِي الْخَبَرِ الْأَفْقَهُ لَكِنْ فِي الْقُرْآنِ فَمَتَى اسْتَوَوْا فِي الْقُرْآنِ فَقَدْ اسْتَوَوْا فِي فِقْهِهِ فَإِنْ زَادَ أَحَدُهُمْ بِفِقْهِ السُّنَّةِ فَهُوَ أَحَقُّ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّ الصَّدْرَ الْأَوَّلَ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمْ يَحْفَظُ عَشْرَ آيَاتٍ، وَآخَرُ يَحْفَظُ خَمْسَ آيَاتٍ، وَلَكِنْ يَحْفَظُ مِنْ السُّنَّةِ مَا لَا يَحْفَظُهُ الْأَوَّلُ يُقَدَّمُ الْأَوَّلُ اهـ. ح ل، وَقَوْلُهُ ذَكَرْتُهُ مَعَ جَوَابِهِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ عِبَارَتُهُ قَالَ النَّوَوِيُّ لَكِنْ فِي قَوْلِهِ فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءٌ فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ دَلِيلٌ عَلَى تَقْدِيمِ الْأَقْرَإِ مُطْلَقًا اهـ.

وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَقْرَإِ فِي الْخَبَرِ الْأَفْقَهُ فِي الْقُرْآنِ فَإِذَا اسْتَوَوْا فِي الْقُرْآنِ فَقَدْ اسْتَوَوْا فِي فِقْهِهِ فَإِذَا زَادَ أَحَدُهُمْ بِفِقْهِ السُّنَّةِ فَهُوَ أَحَقُّ فَلَا دَلَالَةَ فِي الْخَبَرِ عَلَى تَقْدِيمِ الْأَقْرَإِ مُطْلَقًا بَلْ عَلَى تَقْدِيمِ الْأَقْرَإِ الْأَفْقَهُ فِي الْقُرْآنِ عَلَى مَنْ دُونَهُ، وَلَا نِزَاعَ فِيهِ انْتَهَتْ.

(قَوْلُهُ أَوْ مُسَافِرًا) أَيْ قَاصِرًا.

وَعِبَارَةُ الْأَمْدَادِ، وَقُدِّمَ مُتِمٌّ عَلَى قَاصِرٍ، وَالنَّسِيبُ عَلَى وَلَدِ الزِّنَا اهـ. قَالَ الشَّيْخُ هَلْ وَإِنْ كَانَ حَيْثُ يَكُونُ الْقَصْرُ أَفْضَلَ مِنْ الْجَمْعِ اهـ. شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ وَلَدَ زِنًا) أَيْ أَوْ مَجْهُولَ الْأَبِ قَالَ شَيْخُنَا، وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ كَرَاهَةَ إمَامَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>