(مُتَوَطِّنًا) بِمَحَلِّهَا أَيْ لَا يَظْعَنُ عَنْهُ شِتَاءً وَلَا صَيْفًا إلَّا لِحَاجَةٍ؛ لِأَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُجَمِّعْ بِحَجَّةِ الْوَدَاعِ مَعَ عَزْمِهِ عَلَى الْإِقَامَةِ أَيَّامًا لِعَدَمِ التَّوَطُّنِ وَكَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ فِيهَا يَوْمَ جُمُعَةٍ» كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «وَصَلَّى بِهِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ تَقْدِيمًا» كَمَا فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ
ــ
[حاشية الجمل]
كَمَنْ أَقَامَ عَلَى عَزْمِ عَوْدِهِ إلَى وَطَنِهِ وَمِنْهُ مَا لَوْ سَكَنَ بِبَلَدٍ بِأَهْلِهِ عَازِمًا عَلَى أَنَّهُ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ فِي بَلَدِهِ كَمَوْتِ خَطِيبِهَا أَوْ إمَامِهَا مَثَلًا رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ فَلَا تَنْعَقِدُ بِهِ الْجُمُعَةُ، وَقَوْلُهُ لَا بِالْمُتَوَطَّنِينَ خَارِجَ مَحَلِّ الْجُمُعَةِ وَعَلَيْهِ فَالسَّاكِنُ خَارِجَ السُّورِ لَا تَنْعَقِدُ بِهِ دَاخِلَهُ وَلَا عَكْسُهُ؛ لِأَنَّ خَارِجَ السُّورِ وَدَاخِلَهُ كَقَرْيَتَيْنِ اهـ. ع ش عَلَيْهِ وَلَوْ أَكْرَهَ الْإِمَامُ أَهْلَ قَرْيَةٍ عَلَى الِانْتِقَالِ مِنْهَا وَتَعْطِيلِهَا وَالْبِنَاءِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَسَكَنُوا فِيهِ وَهُمْ مُكْرَهُونَ وَقَصْدُهُمْ الْعَوْدُ إذَا فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ الْمَنْقُولِ إلَيْهَا أَفْتَى بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّهَا لَا تَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ بَلْ لَا تَصِحُّ مِنْهُمْ لَوْ فَعَلُوهَا لِعَدَمِ الِاسْتِيطَانِ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ لَا شَكَّ فِيهِ. اهـ. ش م ر وَقَوْلُهُ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ إلَخْ لَكِنْ لَوْ سَمِعُوا النِّدَاءَ مِنْ قَرْيَةٍ أُخْرَى وَجَبَ عَلَيْهِمْ السَّعْيُ عَلَيْهَا اهـ. ع ش عَلَيْهِ أَيْضًا.
(قَوْلُهُ: مُتَوَطِّنًا بِمَحَلِّهَا) خَرَجَ بِقَوْلِهِ بِمَحَلِّهَا مَا لَوْ تَقَارَبَتْ قَرْيَتَانِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا دُونَ أَرْبَعِينَ بِصِفَةِ الْكَمَالِ وَلَوْ اجْتَمَعُوا لَبَلَغُوا أَرْبَعِينَ فَإِنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ وَإِنْ سَمِعَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ نِدَاءَ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ الْأَرْبَعِينَ غَيْرُ مُسْتَوْطِنِينَ فِي بَلَدِ الْجُمُعَةِ وَلَوْ كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي بَلْدَةٍ يُقِيمُ عِنْدَ كُلٍّ يَوْمًا مَثَلًا انْعَقَدَتْ بِهِ الْجُمُعَةُ فِي الْبَلْدَةِ الَّتِي إقَامَتُهُ فِيهَا أَكْثَرُ دُونَ الْأُخْرَى فَإِنْ اسْتَوَيَا فِيهَا انْعَقَدَتْ بِهِ فِي الْبَلْدَةِ الَّتِي مَالُهُ فِيهَا أَكْثَرُ دُونَ الْأُخْرَى فَإِنْ اسْتَوَيَا فِيهِ اُعْتُبِرَتْ نِيَّتُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ اُعْتُبِرَ الْمَوْضِعُ الَّذِي هُوَ فِيهِ حَالَةَ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ، كَذَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَأَفْتَى أَيْضًا فِيمَنْ سَكَنَ بِزَوْجَتِهِ فِي مِصْرَ مَثَلًا وَفِي الْأُخْرَى فِي الْخَانْقَاهْ مَثَلًا وَلَهُ زِرَاعَةٌ بَيْنَهُمَا وَيُقِيمُ فِي الزِّرَاعَةِ غَالِبَ نَهَارِهِ وَيَبِيتُ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدَةٍ لَيْلَةً فِي غَالِبِ أَحْوَالِهِ بِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُتَوَطِّنٌ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا أَيْ فَتَنْعَقِدُ بِهِ الْجُمُعَةُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا حَتَّى يَحْرُمُ عَلَيْهِ السَّفَرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْفَجْرِ لِمَكَانٍ تَفُوتُ بِهِ إلَّا لِخَوْفِ ضَرَرٍ اهـ. ش م ر.
(قَوْلُهُ أَيْ لَا يَظْعَنُ عَنْهُ) فِي الْمُخْتَارِ ظَعَنَ سَارَ وَبَابُهُ قَطَعَ وَظَعْنًا أَيْضًا بِفَتْحَتَيْنِ وَقُرِئَ بِهِمَا قَوْله تَعَالَى {يَوْمَ ظَعْنِكُمْ} [النحل: ٨٠] وَالظَّعِينَةُ الْهَوْدَجُ كَانَتْ فِيهِ امْرَأَةٌ أَوْ لَا وَالظَّعِينَةُ أَيْضًا الْمَرْأَةُ مَا دَامَتْ فِي الْهَوْدَجِ فَإِذَا لَمْ تَكُنْ فِيهِ فَلَيْسَتْ بِظَعِينَةٍ اهـ.
(قَوْلُهُ: لَمْ يُجَمِّعْ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَالِثِهِ مُشَدَّدًا يُقَالُ جَمَّعَ النَّاسُ بِالتَّشْدِيدِ أَيْ شَهِدُوا الْجُمُعَةَ كَمَا يُقَالُ عَيَّدُوا إذَا شَهِدُوا الْعِيدَ اهـ. ع ش عَلَى م ر فِي أَوَّلِ الْبَابِ.
(قَوْلُهُ: مَعَ عَزْمِهِ عَلَى الْإِقَامَةِ أَيَّامًا إلَخْ) هَذَا قَالَهُ تَبَعًا لِلْإِسْنَوِيِّ وَغَيْرِهِ وَأَطْبَقَ عَلَيْهِ الشُّرَّاحُ وَهُوَ لَا يَحْسُنُ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ انْعِقَادِهَا بِالْمُقِيمِ غَيْرِ الْمُتَوَطِّنِ لِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ لَمْ يَزَلْ يَقْصُرُ حَتَّى رَجَعَ إلَيْهَا» وَصَرَّحَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ بِأَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ أَقَامَ بِمَكَّةَ وَبِعَرَفَاتٍ وَبِمِنًى وَبِالْمُحَصَّبِ وَفِي كُلِّ ذَلِكَ لَمْ تَبْلُغْ إقَامَتُهُ أَرْبَعًا وَلَمْ يَنْقَطِعْ سَفَرُهُ» وَأَيْضًا فَعَرَفَاتُ لَمْ يَكُنْ بِهَا خُطَّةُ أَبْنِيَةٍ تَصِحُّ فِيهَا الْجُمُعَةُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ثُمَّ أَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ أَنَّهُ كَشَفَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ فِي ش الْمُهَذَّبِ مِنْ بَابِ الْجُمُعَةِ فَوَجَدَ فِيهَا صَاحِبَ الْمُهَذَّبِ اسْتَدَلَّ بِذَلِكَ فَاعْتَرَضَهُ الشَّارِحُ وَمَنَعَ مِنْ صِحَّةِ الدَّلِيلِ لِمَا قُلْنَا فَلِلَّهِ الْحَمْدُ ثُمَّ رَأَيْت السُّبْكِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمِنْهَاجِ قَالَ لَمْ يَصِحَّ عِنْدِي دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ انْعِقَادِهَا بِالْمُقِيمِ اهـ. عَمِيرَةٌ عَلَى الْمَحَلِّيِّ بِحُرُوفِهِ وَقَوْلُهُ ثُمَّ أَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ الْمُخْبِرُ بِذَلِكَ هُوَ الشَّيْخُ ابْنُ قَاسِمٍ كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ شَيْخُنَا ز ي كَذَا بِخَطِّ الشَّيْخِ خَضِرٍ.
وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ قَوْلُهُ مَعَ عَزْمِهِ عَلَى الْإِقَامَةِ إلَخْ قَالَ شَيْخُنَا اعْلَمْ أَنَّ الْوَجْهَ الْحَقَّ الَّذِي لَا يُتَّجَهُ غَيْرُهُ أَنْ يُقَالَ فِي تَقْرِيرِ الدَّلِيلِ إنَّهُ لَمَّا كَانَ الْعَزْمُ عَلَى الْإِقَامَةِ غَيْرَ مُوجِبٍ لِلتَّجَمُّعِ اقْتَضَى أَنَّهَا غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي ذَاتِهَا فَلَا اعْتِرَاضَ بِمَا قِيلَ إنَّهُ لَمْ يُجَمِّعْ لِعَدَمِ قَصْدِهِ إقَامَةً تَقْطَعُ السَّفَرَ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «مِنْ أَنَّهُ اسْتَمَرَّ يَقْصُرُ وَيَجْمَعُ مُدَّةَ إقَامَتِهِ بِمَكَّةَ» وَهُوَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ وَلَا بِمَا قِيلَ إنَّ عَدَمَ تَجَمُّعِهِ بِعَرَفَةَ لِعَدَمِ الْأَبْنِيَةِ وَلَا بِمَا قِيلَ إنَّ عَزْمَهُ وَهُوَ بِعَرَفَةَ عَلَى الْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ لَا يَجْعَلُهُ مُقِيمًا بِعَرَفَةَ وَلَا بِمَا قِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ نَقَصُوا فِيهَا إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ، وَحَاصِلُ هَذَا الْمَقَامِ أَنَّهُ إنْ بَطَلَتْ صَلَاةُ بَعْضِ الْأَرْبَعِينَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكْمُلُ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِمْ بَطَلَتْ الصَّلَاةُ سَوَاءٌ أَوَقَعَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ وَإِنْ أَخْرَجَ بَعْضُهُمْ نَفْسَهُ عَنْ الْقُدْوَةِ فَإِنْ كَانَ فِي الْأُولَى بَطَلَتْ أَوْ فِيمَا بَعْدَهَا لَمْ يَضُرَّ وَإِنْ انْفَضَّ الْأَرْبَعُونَ أَوْ بَعْضُهُمْ وَلَحِقَ تَمَامُ الْعَدَدِ فَإِنْ كَانَ اللُّحُوقُ قَبْلَ الِانْفِضَاضِ صَحَّتْ الْجُمُعَةُ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي الْأُولَى أَوْ فِي الثَّانِيَةِ وَسَوَاءٌ سَمِعَ اللَّاحِقُونَ الْخُطْبَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute