أَيْ تَمْيِيزٍ بِجُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ نَوْمٍ أَوْ غَيْرِهَا لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «الْعَيْنَانِ وِكَاءُ السَّهِ فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ» وَغَيْرُ النَّوْمِ مِمَّا ذُكِرَ أَبْلَغُ مِنْهُ فِي الذُّهُولِ الَّذِي هُوَ مَظِنَّةٌ لِخُرُوجِ شَيْءٍ مِنْ الدُّبُرِ كَمَا أَشْعَرَ بِهَا الْخَبَرُ؛ إذْ السَّهُ الدُّبُرُ وَوِكَاؤُهُ حِفَاظُهُ عَنْ أَنْ يَخْرُجَ شَيْءٌ مِنْهُ لَا يَشْعُرُ بِهِ
ــ
[حاشية الجمل]
وَالْقَبِيحِ وَهَذَا يُزِيلُهُ الْإِغْمَاءُ وَيُطْلَقُ عَلَى الْغَرِيزِيِّ وَيُعَرَّفُ بِأَنَّهُ صِفَةٌ غَرِيزِيَّةٌ يَتْبَعُهَا الْعِلْمُ بِالضَّرُورِيَّاتِ عِنْدَ سَلَامَةِ الْآلَاتِ أَيْ الْحَوَاسِّ الْخَمْسِ وَهَذَا لَا يُزِيلُهُ إلَّا الْجُنُونُ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَعَرَّفَهُ الْحُكَمَاءُ بِأَنَّهُ جَوْهَرٌ مُجَرَّدٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْبَدَنِ تَعَلُّقَ تَدْبِيرٍ وَتَصَرُّفٍ وَهُوَ قِسْمَانِ وَهْبِيٌّ وَكَسْبِيٌّ فَالْوَهْبِيُّ مَا عَلَيْهِ ضَابِطُ التَّكْلِيفِ، وَالْكَسْبِيُّ مَا يُكْتَسَبُ مِنْ تَجَارِبِ الدَّهْرِ، وَمَحَلُّهُ الْقَلْبُ وَلَهُ شُعَاعٌ مُتَّصِلٌ بِالدِّمَاغِ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ مَنْبَعُهُ وَأُسُّهُ وَلِأَنَّ الْعِلْمَ يَجْرِي مِنْهُ مَجْرَى النُّورِ مِنْ الشَّمْسِ وَالرُّؤْيَةِ مِنْ الْعَيْنِ وَمَنْ عَكَسَ أَرَادَ مِنْ حَيْثُ اسْتِلْزَامُهُ لَهُ وَأَنَّهُ تَعَالَى يُوصَفُ بِهِ دُونَ الْعَقْلِ وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَهُوَ فِي الْإِنْسَانِ، وَالْجِنِّ، وَالْمَلَكِ لَكِنَّهُ فِي النَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ أَكْمَلُ وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَهْبَطَ آدَمَ إلَى الْأَرْضِ أَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحْضَرَك ثَلَاثَ خِصَالٍ لِتَخْتَارَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ وَتَتَخَلَّى عَنْ اثْنَتَيْنِ فَقَالَ: وَمَا هُنَّ قَالَ: الْحَيَاءُ، وَالدِّينُ، وَالْعَقْلُ فَقَالَ اخْتَرْت: الْعَقْلَ فَقَالَ جِبْرِيلُ لِلْحَيَاءِ وَالدِّينِ: ارْتَفِعَا فَقَدْ اخْتَارَ غَيْرَكُمَا فَقَالَا: لَا نَرْتَفِعُ قَالَ: أَعَصَيْتُمَا قَالَا: لَا وَلَكِنْ أُمِرْنَا أَنْ لَا نُفَارِقَ الْعَقْلَ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ وَهَلْ الْعَقْلُ مِنْ قَبِيلِ الْأَعْرَاضِ، أَوْ مِنْ قَبِيلِ الْجَوَاهِرِ، أَوْ لَا وَلَا وَعَلَى كُلٍّ هَلْ هُوَ مَخْصُوصٌ بِالنَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ أَمْ هُوَ كُلِّيٌّ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كُلِّ حَيٍّ مَخْلُوقٍ وَعَلَى ذَلِكَ هَلْ هُوَ مِنْ الْكُلِّيِّ الْمُشَكِّكِ، أَوْ الْمُتَوَاطِئِ الْجَوَابُ هُوَ عِنْدَ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ عَرَضٌ قَائِمٌ بِالْقَلْبِ مُتَّصِلٌ بِالدِّمَاغِ وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَعِنْدَ الْحُكَمَاءِ جَوْهَرٌ مُجَرَّدٌ عَنْ الْمَادَّةِ مُقَارِنٌ لَهَا فِي الْفِعْلِ انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ: أَيْ تَمْيِيزٍ) وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ الْآتِي مُتَّصِلًا اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ: بِجُنُونٍ، أَوْ إغْمَاءٍ) ، وَالْجُنُونُ مَرَضٌ يُزِيلُ الشُّعُورَ مِنْ الْقَلْبِ مَعَ بَقَاءِ الْحَرَكَةِ وَالْقُوَّةِ فِي الْأَعْضَاءِ، وَالْإِغْمَاءُ هُوَ زَوَالُ الشُّعُورِ مَعَ فُتُورِ الْأَعْضَاءِ، وَأَمَّا السُّكْرُ فَهُوَ خَبَلٌ فِي الْعَقْلِ مَعَ طَرَبٍ وَاخْتِلَاطِ نُطْقٍ اهـ دَمِيرِيٌّ وَأَمَّا النَّوْمُ فَهُوَ رِيحٌ لَطِيفَةٌ تَأْتِي مِنْ الدِّمَاغِ إلَى الْقَلْبِ فَتُغَطِّي الْعَيْنَ فَإِنْ لَمْ تَصِلْ إلَى الْقَلْبِ فَهُوَ النُّعَاسُ وَلَا نَقْضَ بِهِ اهـ ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ. (قَوْلُهُ أَيْضًا: بِجُنُونٍ) أَيْ وَلَوْ مَعَ التَّمْكِينِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ اهـ شَوْبَرِيٌّ وَقَوْلُهُ " أَوْ إغْمَاءٍ " أَيْ وَلَوْ مَعَ التَّمْكِينِ أَيْضًا اهـ شَرْحُ م ر وَلِهَذَا التَّعْمِيمِ يُشِيرُ صَنِيعُ الْمَتْنِ حَيْثُ قَصَرَ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى زَوَالِهِ بِنَوْمِ الْمُمَكِّنِ فَيَخْرُجُ مِنْهُ زَوَالُهُ بِجُنُونِ، أَوْ إغْمَاءِ الْمُمَكِّنِ فَيَنْقُضُ اهـ لِكَاتِبِهِ، ثُمَّ رَأَيْت فِي ح ل مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ: لَا زَوَالُهُ بِنَوْمِ مُمَكِّنٍ مَقْعَدَهُ خَرَجَ الْإِغْمَاءُ وَالسُّكْرُ فَلَا يُفِيدُ التَّمْكِينُ مَعَهُمَا قَالَ ابْنُ حَجّ إجْمَاعًا اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ نَوْمٍ) أَيْ فِي حَقِّ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ فِيهِمَا أَمَّا فِي الْأَنْبِيَاءِ فَلَا نَقْضَ بِهِمَا اهـ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرِهَا) أَشَارَ بِهِ إلَى إدْخَالِ الْمَذْهُولِ وَالْمَعْتُوهِ، وَالْمُبَرْسَمِ، وَالْمَطْبُوبِ أَيْ الْمَسْحُورِ اهـ ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ. (قَوْلُهُ: «الْعَيْنَانِ وِكَاءُ السَّهِ» ) فِي الْحَدِيثِ اسْتِعَارَةٌ بِالْكِنَايَةِ دَلَّ عَلَيْهَا بِإِثْبَاتِ الْوِكَاءِ الَّذِي هُوَ مِنْ مُلَائِمِ الْمُشَبَّهِ بِهِ لِلْمُشَبَّهِ وَتَشْبِيهُ الْعَيْنَيْنِ - الْمُرَادُ مِنْهُمَا الْيَقَظَةُ - بِالْوِكَاءِ تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ بِحَذْفِ الْأَدَاةِ اهـ طَبَلَاوِيٌّ اهـ شَوْبَرِيٌّ وَتَقْرِيرُ الِاسْتِعَارَةِ بِالْكِنَايَةِ أَنَّهُ شَبَّهَ السَّهَ بِقِرْبَةٍ مُمْتَلِئَةٍ وَحَذَفَ الْمُشَبَّهَ بِهِ وَذَكَرَ لَازِمَهُ وَهُوَ الْوِكَاءُ وَتَقْرِيرُ التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ أَنَّهُ شُبِّهَتْ الْعَيْنَانِ بِالْوِكَاءِ، ثُمَّ حُذِفَتْ الْأَدَاةُ هَذَا إيضَاحُ عِبَارَتِهِ. (قَوْلُهُ: أَبْلَغُ مِنْهُ فِي الذُّهُولِ) وَجْهُ الْأَبْلَغِيَّةِ أَنَّهُ أَقْوَى فِي زَوَالِ الشُّعُورِ مِنْ الْقَلْبِ وَأَنَّهُ يَنْقُضُ مَعَ التَّمْكِينِ، وَالْمَظِنَّةُ بِمَعْنَى الظَّنِّ الْمُنَزَّلِ مَنْزِلَةَ الْيَقِينِ فَلِذَلِكَ أَبْطَلَ اسْتِصْحَابُ الْأَصْلِ يَقِينَ الطَّهَارَةِ ثُمَّ انْتَقَلَ الْحُكْمُ إلَى النَّوْمِ فَصَارَ نَاقِضًا، وَإِنْ كَانَ مَسْدُودَ الْمَخْرَجِ، أَوْ تَيَقَّنَ عَدَمَ خُرُوجِ شَيْءٍ كَإِخْبَارِ مَعْصُومٍ لَهُ بِعَدَمِهِ نَعَمْ لَوْ قَالَ لَهُ الْمَعْصُومُ تَوَضَّأْ، أَوْ لَا تَتَوَضَّأْ وَجَبَ امْتِثَالُ أَمْرِهِ فِيهِمَا سَوَاءٌ نَامَ أَمْ لَا اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ: الَّذِي هُوَ مَظِنَّةٌ لِخُرُوجِ شَيْءٍ إلَخْ) عِبَارَةُ النِّهَايَةِ الْمَظَانُّ جَمْعُ مَظِنَّةٍ بِكَسْرِ الظَّاءِ وَهُوَ مَوْضِعُ الشَّيْءِ، وَمَعْدِنُهُ مِفْعَلَةٌ مِنْ الظَّنِّ بِمَعْنَى الْعِلْمِ وَكَانَ الْقِيَاسُ فَتْحَ الظَّاءِ وَإِنَّمَا كُسِرَتْ لِأَجْلِ الْهَاءِ انْتَهَتْ اهـ ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ: إذْ السَّهُ) بِضَمِّ الْهَاءِ؛ إذْ أَصْلُهُ سَتَهٌ حُذِفَتْ عَيْنُهُ وَيُجْمَعُ عَلَى أَسْتَاهٍ.
وَفِي رِوَايَةٍ وِكَاءُ السَّتِّ بِحَذْفِ لَامِهِ اهـ صِحَاحٌ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ مَا نَصُّهُ: الِاسْتُ الْعَجُزُ وَيُرَادُ بِهِ حَلْقَةُ الدُّبُرِ وَالْأَصْلُ سَتَهٌ بِالتَّحْرِيكِ وَلِهَذَا يُجْمَعُ عَلَى أَسْتَاهٍ مِثْلُ سَبَبٍ وَأَسْبَابٍ وَيُصَغَّرُ عَلَى سُتَيْهٍ وَجَمْعُ التَّكْسِيرِ، وَالتَّصْغِيرُ يَرُدَّانِ الْأَشْيَاءَ إلَى أُصُولِهَا وَقَدْ يُقَالُ سَهٌ بِالْهَاءِ وَسِتٌّ بِالتَّاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute