لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حَثَا مِنْ قِبَلِ رَأْسِ الْمَيِّتِ ثَلَاثًا» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَيُسَنُّ أَنْ يَقُولَ مَعَ الْأُولَى {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ} [طه: ٥٥] وَمَعَ الثَّانِيَةِ {وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} [طه: ٥٥] وَمَعَ الثَّالِثَةِ {وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه: ٥٥] (وَ) سُنَّ (أَنْ يُهَالَ) عَلَيْهِ (بِمَسَاحٍ) أَوْ مَا فِي مَعْنَاهَا إسْرَاعًا بِتَكْمِيلِ الدَّفْنِ وَيُسَنُّ أَنْ لَا يُزَادَ عَلَى تُرَابِ الْقَبْرِ لِئَلَّا يَعْظُمَ شَخْصُهُ (فَتَمْكُثُ جَمَاعَةٌ) عِنْدَهُ سَاعَةً (يَسْأَلُونَ لَهُ التَّثْبِيتَ)
ــ
[حاشية الجمل]
فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَلَمْ يَرَ مِنْ الْمَلَكَيْنِ الْمُكَرَّمَيْنِ فَزَعًا، وَهُوَ هَذَا سُبْحَانَ مَنْ هُوَ بِالْجَلَالِ مُتَوَحِّدًا وَبِالتَّوْحِيدِ مَعْرُوفًا وَبِالْمَعْرُوفِ مَوْصُوفًا وَبِالصِّفَةِ عَلَى لِسَانِ كُلِّ قَائِلٍ رَبًّا وَبِالرُّبُوبِيَّةِ لِلْعَالَمِ قَاهِرًا وَبِالْقَهْرِ لِلْعَالَمِ جَبَّارًا وَبِالْجَبَرُوتِ عَلِيمًا حَلِيمًا وَبِالْعِلْمِ وَالْحِلْم رَءُوفًا رَحِيمًا سُبْحَانَهُ عَمَّا يَقُولُونَ وَسُبْحَانَهُ عَمَّا هُمْ قَائِلُونَ تَسْبِيحًا تَخْشَعُ لَهُ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ عَلَيْهَا وَيَحْمَدُنِي مَنْ حَوْلَ عَرْشِي اسْمِي اللَّهُ عِنْدَ غَيْرِ مُنْتَهًى كَفَى بِي وَلِيًّا وَأَنَا أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ اهـ. وَمِثْلُهُ أَيْضًا مَا رُوِيَ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَيْثُ قَالَ
يَا قَاهِرًا بِالْمَنَايَا كُلَّ قَهَّارٍ ... بِنُورِ وَجْهِك أَعْتِقْنِي مِنْ النَّارِ
إلَيْك أَشْكُو مَنْ كَانَ يَقْصِدُنِي ... مِنْ أَهْلِ وُدِّي وَأَصْحَابِي وَأَنْصَارِي
فِي قَفْرَاءَ مُظْلِمَةٍ غَبْرَاءَ مُوحِشَةٍ ... فَرْدًا غَرِيبًا وَحِيدًا تَحْتَ أَحْجَارِ
أَمْسَيْت ضَيْفَك يَا ذَا الْجُودِ مُرْتَهِنًا ... وَأَنْتَ أَكْرَمُ مَنْزُولٍ بِهِ قَارِي
فَاجْعَلْ قِرَايَ مِنْك نَيْلَ مَغْفِرَةٍ ... أَنْجُو إلَيْك بِهَا يَا خَيْرَ غَفَّارِ
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ) أَيْ وَلِمَا فِيهِ مِنْ إسْرَاعِ الدَّفْنِ وَالْمُشَارَكَةِ فِي هَذَا الْغَرَضِ وَالرِّضَا بِمَا صَارَ إلَيْهِ الْمَيِّتُ اهـ. شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ وَيُسَنُّ أَنْ يَقُولَ مَعَ الْأُولَى إلَخْ) وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ مَعَ ذَلِكَ فِي الْأُولَى اللَّهُمَّ لَقِّنْهُ عِنْدَ الْمَسْأَلَةِ حُجَّتَهُ وَفِي الثَّانِيَةِ اللَّهُمَّ افْتَحْ أَبْوَابَ السَّمَاءِ لِرُوحِهِ وَفِي الثَّالِثَةِ اللَّهُمَّ جَافِ الْأَرْضَ عَنْ جَنْبَيْهِ اهـ. شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ زَادَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ أَيْ فِي الْأُولَى اللَّهُمَّ لَقِّنْهُ إلَخْ لَعَلَّ الْحِكْمَةَ فِي جَعْلِ هَذَا مَعَ الْأُولَى وَمَا بَعْدَهُ مَعَ الثَّانِيَةِ إلَخْ أَنَّ أَهَمَّ أَحْوَالِ الْمَيِّتِ بَعْدَ وَضْعِهِ فِي الْقَبْرِ سُؤَالُ الْمَلَكَيْنِ فَنَاسَبَ أَنْ يُدْعَى لَهُ بِتَلْقِينِ الْحُجَّةِ وَبَعْدَ السُّؤَالِ تَصْعَدُ الرُّوحُ إلَى مَا أُعِدَّ لَهَا فَنَاسَبَ أَنْ يُدْعَى لَهُ بِفَتْحِ أَبْوَابِ السَّمَاءِ لِرُوحِهِ وَبَعْدَهُ يَسْتَقِرُّ الْمَيِّتُ فِي الْقَبْرِ فَنَاسَبَ أَنْ يُدْعَى لَهُ بِمُجَافَاةِ الْأَرْضِ عَنْ جَنْبَيْهِ وَقَوْلُهُ عِنْدَ الْمَسْأَلَةِ أَيْ لِلسُّؤَالِ وَقَوْلُهُ حُجَّتَهُ أَيْ مَا يَحْتَجُّ بِهِ عَلَى صِحَّةِ إيمَانِهِ وَإِطْلَاقُهُ يَشْمَلُ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ مِمَّنْ يُسْأَلُ كَالطِّفْلِ وَيَشْمَلُ أَيْضًا مَا لَوْ قَدَّمَ الْآيَةَ عَلَى الدُّعَاءِ أَوْ أَخَّرَهَا وَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ الْآيَةِ عَلَى الدُّعَاءِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ زَادَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ إلَخْ وَقَوْلُهُ اللَّهُمَّ افْتَحْ أَبْوَابَ السَّمَاءِ لِرُوحِهِ إلَخْ لَا يُنَافِي هَذَا أَنَّ رُوحَهُ يَصْعَدُ بِهَا عَقِبَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ ذَاكَ الصُّعُودُ لِلْعَرْضِ، ثُمَّ يَرْجِعُ بِهَا فَتَكُونُ مَعَ الْمَيِّتِ إلَى أَنْ يَنْزِلَ قَبْرَهُ فَتَلْبَسُهُ لِلسُّؤَالِ، ثُمَّ تُفَارِقُهُ وَتَذْهَبُ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ اهـ. عِ ش عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ وَأَنْ يُهَالَ بِمَسَاحٍ) عِبَارَةُ أَصْلِهِ، ثُمَّ يُهَالُ بِمَسَاحٍ قَالَ م ر وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْحَثْيِ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ وُقُوعِ اللَّبِنَاتِ وَعَنْ تَأَذِّي الْحَاضِرِينَ بِالْغُبَارِ اهـ (قَوْلُهُ بِمَسَاحٍ) مَجْرُورٌ بِكِسْرَةٍ مُقَدَّرَةٍ عَلَى الْيَاءِ الْمَحْذُوفَةِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مَنْقُوصٌ اهـ. شَيْخُنَا (قَوْلُهُ أَيْضًا بِمَسَاحٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ جَمْعُ مِسْحَاةٍ بِكَسْرِهَا وَهِيَ آلَةٌ تُمْسَحُ الْأَرْضُ بِهَا وَلَا تَكُونُ إلَّا مِنْ حَدِيدٍ بِخِلَافِ الْمِجْرَفَةِ، فَإِنَّهَا تَكُونُ مِنْ الْحَدِيدِ وَغَيْرِهِ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ السَّحْوِ أَيْ الْكَشْفِ اهـ. شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ لَعَلَّهُ سَقَطَ أَلِفٌ قَبْلَ الْوَاوِ مِنْ نَسْخِ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّا إذَا أَخَذْنَاهَا مِنْ الْمَسْحِ كَمَا تَقَدَّمَ كَانَتْ الْمِيمُ أَصْلِيَّةً وَإِنَّمَا تَظْهَرُ زِيَادَتُهَا إنْ أَخَذْنَاهَا مِنْ السَّحْوِ فَهُوَ قَوْلٌ مُقَابِلٌ لِلْأَوَّلِ اهـ. رَشِيدِيٌّ عَلَيْهِ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ الْمِسْحَاةُ بِكَسْرِ الْمِيمِ هِيَ الْمِجْرَفَةُ لَكِنَّهَا مِنْ حَدِيدٍ وَالْجَمْعُ الْمَسَاحِي كَالْجَوَابِي وَسَحَوْت الطِّينَ عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ سَحْوًا مِنْ بَابِ قَالَ جَرَفْته بِالْمِسْحَاةِ (قَوْلُهُ وَيُسَنُّ أَنْ لَا يُزَادَ عَلَى تُرَابِ الْقَبْرِ) أَيْ مَا لَمْ يُحْتَجْ لِذَلِكَ لِأَجْلِ ارْتِفَاعِهِ وَإِلَّا زِيدَ عَلَيْهِ أَخْذًا مِمَّا بَعْدَهُ اهـ. شَيْخُنَا ح ف (قَوْلُهُ فَتَمْكُثُ جَمَاعَةٌ) أَيْ بِقَدْرِ مَا يُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُفَرَّقُ لَحْمُهُ اهـ. حَجّ اهـ. ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ يَسْأَلُونَ لَهُ التَّثْبِيتَ) وَهَذَا السُّؤَالُ غَيْرُ التَّلْقِينِ اهـ. شَيْخُنَا.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَيُسْتَحَبُّ تَلْقِينُ الْمَيِّتِ الْمُكَلَّفِ بَعْدَ تَمَامِ دَفْنِهِ لِخَبَرِ «إنَّ الْعَبْدَ إذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ أَنَّهُ يَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ فَإِذَا انْصَرَفُوا أَتَاهُ مَلَكَانِ» الْحَدِيثَ فَتَأْخِيرُ تَلْقِينِهِ لِمَا بَعْدَ إهَالَةِ التُّرَابِ أَقْرَبُ إلَى حَالَةِ سُؤَالِهِ فَيَقُولُ لَهُ يَا عَبْدَ اللَّهِ ابْنَ أَمَةِ اللَّهِ اُذْكُرْ مَا خَرَجْت عَلَيْهِ مِنْ الدُّنْيَا شَهَادَةَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ وَأَنَّ الْبَعْثَ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ وَأَنَّك رَضِيت بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَبِيًّا وَرَسُولًا وَبِالْقُرْآنِ إمَامًا وَبِالْكَعْبَةِ قِبْلَةً وَبِالْمُؤْمِنِينَ إخْوَانًا وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمْ