وَأَمَرَ بِهِ بِقَوْلِهِ فِيمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَلْيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ وَنَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ وَقِيسَ بِالْحَجَرِ غَيْرُهُ مِمَّا فِي مَعْنَاهُ وَالْمَدْبُوغُ انْتَقَلَ بِالدَّبْغِ عَنْ طَبْعِ اللُّحُومِ إلَى طَبْعِ الثِّيَابِ، وَخَرَجَ بِالْمُلَوَّثِ: غَيْرُهُ - كَدُودٍ وَبَعْرٍ بِلَا لَوْثٍ فَلَا يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْهُ لِفَوَاتِ مَقْصُودِهِ مِنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ أَوْ تَخْفِيفِهَا لَكِنَّهُ يُسَنُّ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ -، وَبِزِيَادَتِي " لَا مَنِيٍّ ": الْمَنِيُّ فَكَذَلِكَ لِذَلِكَ، وَبِالْجَامِدِ: الْمَائِعُ غَيْرُ الْمَاءِ، وَبِالطَّاهِرِ
ــ
[حاشية الجمل]
لَا يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى عَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ فَلِذَلِكَ أَتَى بِالثَّالِثِ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَنَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ؛ لِأَنَّهُ نَصٌّ فِي عَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ اهـ تَقْرِيرُ عَشْمَاوِيٍّ لَكِنَّ فِيهِ أَنَّ الْعَدَدَ غَيْرُ مُدَّعًى هُنَا حَتَّى يُسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بَلْ ادَّعَاهُ فِيمَا سَيَأْتِي بِقَوْلِهِ وَيَمْسَحُ ثَلَاثًا وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِهَذَا الدَّلِيلِ نَفْسِهِ اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ: بِقَوْلِهِ فِيمَا رَوَاهُ) الْبَاءُ بِمَعْنَى " فِي " وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَمَرَ فَلَا يُقَالُ يَلْزَمُ تَعَلُّقُ حَرْفَيْ جَرٍّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ بِعَامِلٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ اهـ شَيْخُنَا.
وَفِي شَرْحِ السَّعْدِ عَلَى الْبُرْدَةِ تَخْصِيصُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ بِمَا إذَا لَمْ يَصِحَّ إبْدَالُ الثَّانِي مِنْ الْأَوَّلِ فَإِنْ صَحَّ فَلَا امْتِنَاعَ كَمَا هُنَا فَيَصِحُّ التَّرْكِيبُ وَلَوْ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِ الثَّانِيَةِ بِمَعْنَى فِي كَمَا لَا يَخْفَى اهـ.
(قَوْلُهُ: بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ) وَقَدْ يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْحَجَرِ كَمَا لَوْ كَانَ بِمَكَانٍ لَا مَاءَ فِيهِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِدُ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْحَجَرِ فَوْرًا لِئَلَّا يَجِفَّ الْخَارِجُ فَيَلْزَمَ فِعْلُ الصَّلَاةِ بِدُونِ اسْتِنْجَاءٍ اهـ م ر وَكَذَا لَوْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ اسْتَنْجَى بِالْحَجَرِ أَدْرَكَ الْوَقْتَ وَلَوْ اسْتَنْجَى بِالْمَاءِ خَرَجَ الْوَقْتُ اهـ ع ش. (قَوْلُهُ: وَقِيسَ بِالْحَجَرِ غَيْرُهُ) أَيْ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ الْقِيَاسِ فِي الرُّخَصِ وَهُوَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ إمَامُنَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ ح ل.
وَعِبَارَةُ ابْنِ السُّبْكِيّ مَعَ شَرْحِهَا لِلْمَحَلِّيِّ وَمَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الرُّخَصِ قَالَ: لِأَنَّهَا لَا يُدْرَكُ الْمَعْنَى فِيهَا وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُدْرَكُ فِي بَعْضِهَا فَيَجْرِي فِيهِ الْقِيَاسُ كَقِيَاسِ غَيْرِ الْحَجَرِ عَلَيْهِ فِي جَوَازِ الِاسْتِنْجَاءِ الَّذِي هُوَ رُخْصَةٌ بِجَامِعِ الْجَامِدِ الطَّاهِرِ الْقَالِعِ وَأَخْرَجَ أَبُو حَنِيفَةَ ذَلِكَ عَنْ الْقِيَاسِ بِكَوْنِهِ فِي مَعْنَى الْحَجَرِ وَسَمَّاهُ دَلَالَةَ النَّصِّ انْتَهَتْ. وَكَتَبَ عَلَيْهَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ عِنْدَنَا بِمَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ بِقِسْمَيْهِ الْأَوْلَى، وَالْمُسَاوِي اهـ وَحِينَئِذٍ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ مِمَّا فِي مَعْنَاهُ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ عِبَارَةُ الْمَانِعِ لِلْقِيَاسِ كَمَا عَلِمْت؛ لِأَنَّ مَنْ جَعَلَهُ فِي مَعْنَاهُ يَقُولُ لَا قِيَاسَ وَيَعُدُّ ذَلِكَ: فِي كَوْنِ هَذَا مِنْ الرُّخَصِ نَظَرٌ؛ إذْ يَعْتَبِرُ فِيهَا تَغَيُّرُ الْحُكْمِ إلَى سُهُولَةٍ لِأَجْلِ عُذْرٍ وَهُنَا لَا عُذْرَ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ؛ إذْ يَجُوزُ وَلَوْ عَلَى شَطِّ النَّهْرِ وَلَا سُهُولَةَ؛ لِأَنَّ التَّغَيُّرَ مِنْ وُجُوبٍ إلَى وُجُوبٍ فَإِنْ قُلْت الْوُجُوبُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ أَسْهَلُ مِنْ حَيْثُ مُوَافَقَتُهُ لِغَرَضِ النَّفْسِ قُلْت النَّفْسُ إلَى الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ أَمْيَلُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِالرُّخَصِ فِي بَابِ الْقِيَاسِ غَيْرَ مَعْنَاهَا الْمَعْرُوفِ فَلْيُبَيِّنْ ذَلِكَ الْغَيْرَ اهـ لِكَاتِبِهِ.
(قَوْلُهُ أَيْضًا: وَقِيسَ بِالْحَجَرِ) أَيْ الْوَارِدِ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ الْحَجَرُ الْمَعْرُوفُ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْجَبَلِ وَمِثْلُهُ الْحَجَرُ الْأَحْمَرُ الْمَعْرُوفُ فِي زَمَانِنَا وَهُوَ اللَّبِنُ الْمَحْرُوقُ مَا لَمْ يُعْلَمْ اخْتِلَاطُهُ بِالنَّجَاسَةِ اهـ ع ش عَلَى م ر. (قَوْلُهُ: وَالْمَدْبُوغُ انْتَقَلَ بِالدَّبْغِ إلَخْ) أَيْ فَلَا يُعَدُّ مَطْعُومًا، وَإِنْ جَازَ أَكْلُهُ فِي الْمُذَكَّاةِ اتِّفَاقًا وَعَلَى الْجَدِيدِ الْمَرْجُوحِ فِي الْمَيْتَةِ أَيْ مَيْتَةِ الْمُذَكَّاةِ وَالْمُفْتَى بِهِ حُرْمَةُ أَكْلِ الْمَدْبُوغِ مِنْ جُلُودِ الْمَيْتَةِ وَلَوْ مَيْتَةَ الْمَأْكُولِ عِنْدَ شَيْخِنَا كَابْنِ حَجّ فِي بَابِ النَّجَاسَةِ لِلتَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ اهـ ح ل.
وَفِي ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ انْتَقَلَ إلَخْ أَيْ فَجَازَ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ وَإِنْ كَانَ يُؤْكَلُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَالْأَقْوَالُ فِي جِلْدِ الْمُذَكَّاةِ، أَمَّا جِلْدُ مَيْتَتِهَا إذَا دُبِغَ فَالْقَدِيمُ مَنْعُ أَكْلِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَأَمَّا جِلْدُ مَا لَا يُذَكَّى كَالْحِمَارِ فَلَا يَجُوزُ أَكْلُهُ بَعْدَ ذَبْحِهِ قَطْعًا انْتَهَى. (قَوْلُهُ: لَكِنْ يُسَنُّ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ) عِبَارَةُ أَصْلِهِ مَعَ شَرْحِ م ر وَلَا اسْتِنْجَاءَ وَاجِبٌ لِدُودٍ وَبَعْرٍ بِلَا لَوْثٍ فِي الْأَظْهَرِ؛ إذْ لَا مَعْنَى لَهُ كَالرِّيحِ وَالثَّانِي نَعَمْ؛ إذْ لَا يَخْلُو عَنْ الرُّطُوبَةِ وَعَلَى الْأَوَّلِ يُسْتَحَبُّ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ وَجَمَعَ بَيْنَ الدُّودِ، وَالْبَعْرِ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الطَّاهِرِ وَالنَّجَسِ وَقَدْ نَقَلَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْ النَّوْمِ وَالرِّيحِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَلَمْ يُفَرِّقْ الْأَصْحَابُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَحَلُّ رَطْبًا، أَوْ يَابِسًا وَلَوْ قِيلَ بِوُجُوبِهِ عِنْدَ تَرَطُّبِ الْمَحَلِّ لَمْ يَبْعُدْ كَمَا قِيلَ بِهِ فِي دُخَانِ النَّجَاسَةِ وَهُوَ مَرْدُودٌ.
فَقَدْ قَالَ الْجُرْجَانِيُّ: إنَّهُ مَكْرُوهٌ وَصَرَّحَ الشَّيْخُ نَصْرٌ بِتَأْثِيمِ فَاعِلِهِ، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ وَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ عَدَمُ الِاسْتِحْبَابِ مِنْهُ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ الْمَحَلُّ رَطْبًا كَمَا أَوْضَحْتُهُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ: فَكَذَلِكَ) أَيْ لَا يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْهُ وَقَوْلُهُ لِذَلِكَ أَيْ لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ هَكَذَا صَنَعَ الْحَوَاشِيَ كَالْحَلَبِيِّ والشبراملسي وَلَمْ يُرْجِعُوا الْإِشَارَةَ فِي قَوْلِهِ فَكَذَلِكَ إلَى الِاسْتِدْرَاكِ أَيْضًا حَتَّى يُفِيدَ رُجُوعُهَا إلَيْهِ أَنَّ هُنَاكَ قَوْلًا بِوُجُوبِ الِاسْتِنْجَاءِ مِنْ الْمَنِيِّ فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ قَوْلٌ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ يُسَنُّ غُسْلُهُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ قَالَ بِنَجَاسَتِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute