للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وليلة ضحكت أنوارها طرباً ... بروقها (١) وزهور الأرض (٢) والقمر ... فكدت أضحك لولا حنّ راعدها ... حنين شاكّ ولولا أن بكى المطر

فذكّر الرّعد قلبي في تحنّنه ... حنين خلّي لمّا أن دنا السّفر

فنحت حتّى تباكت كلّ ضاحكة ... من الثّلاث وحتّى رقّ لي الشّجر

وهذا المعنى مطروق مشهور في أشعار المتقدّمين والمتأخّرين. فإن قلت: إنّ هذه التّجوّزات التي في الأشعار تخالف ما في القرآن والسّنّة, فإنّ من سمع الآيات والأحاديث الواردة في الصّفات لم يفهم التّجوّز إلا أن يكون من العلماء الذين قد خاضوا في الكلام وسمعوا التّأويل, وأمّا الأشعار المذكورة فكلّ من سمعها فهم التّجوّز فيها من الخاصّة والعامّة.

والجواب: أنّ السّبب في ذلك ظاهر, وهو أنّ القرينة الدّالّة على التّجوّز في الأشعار معلومة بالضّرورة لكلّ سامع, فإنّ كلّ عاقل يعرف أنّ الضّحك الحقيقيّ يستحيل صدوره من الرّياض والبروق والشّمس والقمر, ونحو ذلك, بخلاف ما قدّمنا, فإن القرينة فيه خفيّة دقيقة, قد اختلف في تحرير الدّليل عليها أذكياء الخاصّة من أئمة الكلام, وردّ بعضهم دليل بعض. ومن هنا ترك أهل الحديث التّأويل مدّعين أنّ شرط حسن المجاز عندهم /سامع الكلام للقرينة الدّالّة على التّجوّز حتّى تصرفه معرفته بها عن اعتقاد ظاهر الكلام, ولذلك


(١) في هامش (ي) ما نصّه:
((كأنّ بروقها وما بعدها بدل من أنوارها, بدل تفصيل)) تمت القاضي محمد.
(٢) في ((العواصم)): ((الروض)).