للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكذّاب إنّما غرضه أن يعتقد صحّة باطله وصدق كذبه, فإذا كان معلوماً بالضّرورة لم يستفد بكذبه إلا أن يُعلم أنّه كاذب, فإن كان الذي جرّأه على هذا كراهيته للأشعرية؛ فما أصاب السّنّة, ولا عمل بمقتضى الشّريعة, قال الله تعالى: ((ولا يجرمنّكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتّقوى)) [المائدة/٨] وإن كان قال ذلك طمعاً في التّمويه على خصمه, فأدنى العوام (١) يعرف أنّه ليس في أهل القبلة من يعتقد أنّ الله تعالى يعاقب المطيع ويثيب العاصي, بل ما علمنا في ملل الشّرك وعبّاد الأوثان من يعتقد ذلك في معبوده.

الوجه الثّالث: أنّ هذا الاستدلال هو المعروف في علم المنطق بالمغالطة, قال المنطقيّون: والمورد لها إن قابل بها الحكيم فهو سوفسطائي, وإن قابل بها الجدليّ فهو مشاغبيّ. وإنّما قلت ذلك؛ لأنّ المغالطة قياس يتركّب من مقدّمات شبيهة بالحقّ تفسد صورته بألا يكون على هيئة منتجة لاختلال شرط معتبر, وهذا حاصل في كلام المعترض, وبيانه من وجهين:

الوجه الأوّل: قوله عندهم: أنّه يجوز أن يعاقب الله المطيع ويثيب العاصي, فهذه مقدّمة باطلة تشبه الحقّ.


(١) في هامش (أ) و (ي) ما نصّه:
((من خطّ إمامنا المتوكل - عليه السلام -: ((الظّنّ أنّه أراد فأدنى العوام, والظّنّ ما قال, ويحتمل أنّه أراد ((العموم)) أي: عموم الناس, مع بُعده)).
ثم كتب: قد قوبلت هذه النسخة على نسخة صحيحة, فكان كما ظنه مولانا أمير المؤمنين, حفظه الله, وأصلحت في هذه النسخة, ونسخة الإمام حفظه الله)) اهـ.