الأوّل: لا سبيل على قواعدكم إلى العلم القاطع بوجود من هو كذلك. سلّمنا, فإنّ الله تعالى حين يعلم منه النّظر وطلب الحقّ يلهمه ويمكّنه لا محالة. وسلمنا أنّ الله تعالى لم يمكّنه من ذلك لبلادته, فمن أين أنّه مكلّف بالعلم؟ وما المانع من أنّه غير مكلّف عند من لا يجيز التّقليد في هذه المعارف, ويكون لاحقاً بالصّبيان المميّزين العارفين بالعلوم الضّرورية؟ أو يكون مكلّفاً بالتقليد أو ما يقوم مقامه من الظّنّ عند من يجيز ذلك, كأبي القاسم الكعبي من المعتزلة, والمؤيّد من الزّيدية, وغير واحد من أهل السّنة.
الوجه الثّاني: أن نقول: قد يكون في النّاس من لا يفهم الأدلّة المحقّقة بالتعليم -أيضاً- لشدّة بلادته, فما أجبتم به (١) فهو جوابنا. فإن قلتم: الأدلّة تمنع وجود مثل هذا, فإن وجد فغير مكلّف, قلنا: ونحن نقول بمثل هذا فيمن لا يتمكّن من معرفة الإسلام بمجرّد خلق العقل وبعثة الرّسل.
الوجه الثّالث: أنّ الذي يعرفه أهل الجهل من المسلمين يكفي أهل البلادة من الكفّار, فإنّه لا يطالب بالأدلّة الدّقيقة -التي لا يعرفها إلا علماء الكلام- إلا أهل الذّكاء من الكفّار, وأهل الذّكاء منهم قد تمّت عليهم الحجّة ومكّنهم الله من المعرفة, ولا يجب علينا تعريفهم بما هم ممكّنون من معرفته من غير تعريفنا كما تقدّم.
(١) في (ي): ((فيه)) وفي هامش (أ) إشارة إلى أن ذلك في نسخة.