الْبَاب الثَّالِث
١٦ - فِي ذكر الصاحب أبي الْقَاسِم إِسْمَعِيل بن عباد وإيراد لمع من أخباره وغرر نظمه ونثره
لَيست تحضرني عبارَة أرضاها للإفصاح عَن علو مَحَله فِي الْعلم وَالْأَدب وجلالة شَأْنه فِي الْجُود وَالْكَرم
وتفرده بغايات المحسان وَجمعه أشتات المفاخر لِأَن همة قولي تنخفض عَن بُلُوغ أدنى فضائله ومعاليه وَجهد وصفي يقصر عَن أيسر فواضله ومساعيه وَلَكِنِّي أَقُول هُوَ صدر الْمشرق وتاريخ الْمجد وغرة الزَّمَان وينبوع الْعدْل والأحسان وَمن لَا حرج فِي مدحه بِكُل مَا يمدح بِهِ مَخْلُوق ولولاه مَا قَامَت للفضل فِي دَهْرنَا سوق وَكَانَت أَيَّامه للعلوية وَالْعُلَمَاء والأدباء وَالشعرَاء وحضرته محط رحالهم وموسم فضلائهم ومترع آمالهم
وأمواله مصروفة إِلَيْهِم وصنائعه مَقْصُورَة عَلَيْهِم وهمته فِي مجد يشيده وإنعام يحدده وفاضل يصطنعه وَكَلَام حسن يصنعه أَو يسمعهُ
وَلما كَانَ نادرة عُطَارِد فِي البلاغة وواسطة عقد الدَّهْر فِي السماحة جلب إِلَيْهِ من الْآفَاق وأقاصي الْبِلَاد كل خطاب جزل وَقَول فصل
وَصَارَت حَضرته مشرعا لروائع الْكَلَام وبدائع الأفهام وثمار الخواطر ومجلسه مجمعا لصوب الْعُقُول وذوب الْعُلُوم ودرر القرائح
فَبلغ من البلاغة مَا يعد فِي السحر ويكاد يدْخل فِي الإعجاز وَسَار كَلَامه مسير الشَّمْس ونظم ناحيتي الشرق والغرب واحتف بِهِ من نُجُوم الأَرْض وأفراد الْعَصْر وَأَبْنَاء الْفضل وفرسان الشّعْر من يربى عدهم على شعراء الرشيد وَلَا يقصرون عَنْهُم فِي الْأَخْذ برقاب
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute