بل يجب أَن يكون كتابك فِي الْفَتْح أَو الْوَعْد أَو الْوَعيد أَو الْإِعْذَار خلاف كتابك فِي الشوق أَو التهنئة أَو اقْتِضَاء المواصلة وخطابك إِذا حذرت وزجرت أفخم مِنْهُ إِذا وعدت ومنيت فَأَما الهجو فأبلغه مَا جرى مجْرى التهكم والتهافت وَمَا اعْترض بَين التَّعْرِيض وَالتَّصْرِيح وَمَا قربت مَعَانِيه وَسَهل حفظه وسرع علوقه بِالْقَلْبِ ولصوقه بِالنَّفسِ فَأَما الْقَذْف والإفحاش فسباب مَحْض وَلَيْسَ للشاعر فِيهِ إِلَّا إِقَامَة الْوَزْن وَتَصْحِيح النّظم
فصل آخر مِنْهُ
وَكَانَت الْعَرَب وَمن تبعها من سلف هَذِه الْأمة تجْرِي على عَادَة فِي تفخيم اللَّفْظ وجزالة الْمنطق لم تألف غَيره وَلَا عرفت تَشْبِيها سواهُ وَكَانَ الشّعْر أحد أَقسَام منطقها وَمن حَقه أَن يخص بتهذيب ويفرد بِزِيَادَة عناية فَإِذا اجْتمعت تِلْكَ الْعَادة والطبيعة وانضاف إِلَيْهَا الْعَمَل والصنعة خرج كَمَا ترَاهُ فخما جزلا وقويا متينا وَقد كَانَ الْقَوْم أَيْضا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِك وتتباين فِيهِ أَحْوَالهم فيرق شعر الرجل ويصلب شعر الآخر ويدمث منطق هَذَا ويتوعر منطق غَيره
وَإِنَّمَا ذَلِك بِحَسب اخْتِلَاف الطباع وتركيب الْخلق
فَإِن سلاسة اللَّفْظ تتبع سلاسة الطَّبْع ودماثة الْكَلَام بِقدر دماثة الْخلقَة وَأَنت تَجِد ذَلِك ظَاهرا فِي أهل عصرك وَأَبْنَاء زَمَانك وَترى الجافي الجلف مِنْهُم كرّ الْأَلْفَاظ جهم الْكَلَام وعر الْخطاب حَتَّى إِنَّك رُبمَا وجدت الغضاضة فِي صَوته ونغمته وَفِي حَدِيثه ولهجته وَمن شَأْن البداوة أَن تظهر بعض ذَلِك وَمن أَجله قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من بدا جَفا)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute