للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أبي الْفرج الْوَارِد عَلَيْهِ من بَغْدَاد مُشْتَمِلًا من النّظم والنثر على مَا أثرت فِيهِ حَال من بلغ سَاحل الْحَيَاة ووقف إِلَى ثنية الْوَدَاع وَلست أَدْرِي مَا فعل الدَّهْر بِهِ وأغلب ظَنِّي أَنه إِلَى الْآن قد لحق باللطيف الْخَبِير وَأَنا أبدأ بسياق قصَّة لَهُ من عِبَارَته وحكايته لم أسمع أظرف مِنْهَا فِي فنها وَلَا ألطف وَلَا أعذب وَلَا أخف وَإِن كَانَ فِيهَا بعض الطول والبديع غير مملول

قَالَ أَبُو الْفرج تَأَخَّرت بِدِمَشْق عَن سيف الدولة رَحمَه الله مكْرها وَقد سَار عَنْهَا فِي بعض وقائعه وَكَانَ الْخطر شَدِيدا على من أَرَادَ اللحاق بِهِ من أَصْحَابه حَتَّى إِن ذَلِك كَانَ مُؤديا إِلَى النهب وَطول الاعتقال واضطررت إِلَى إِعْمَال الْحِيلَة فِي التَّخَلُّص والسلامة بِخِدْمَة من بهَا من رُؤَسَاء الدولة الإخشيدية وَكَانَ سني فِي ذَلِك الْوَقْت عشْرين سنة وَكَانَ انقطاعي مِنْهُم إِلَى أبي بكر عَليّ بن صَالح الروزباري لتقدمه فِي الرياسة ومكانه من الْفَصْل والصناعة فَأحْسن تقبلي وَبَالغ فِي الْإِحْسَان بِي وحصلت تَحت الضَّرُورَة فِي الْمقَام فتوفرت على قصد الْبِقَاع الْحَسَنَة والمتنزهات المطرفة تسليا وتعللا فَلَمَّا كَانَ فِي بعض الْأَيَّام عملت على قصد دير مران وَهَذَا الدَّيْر مَشْهُور الْموقع فِي الْجَلالَة وَحسن المنظر فاستصحبت بعض من كنت آنس بِهِ

وَتَقَدَّمت لحمل مَا يُصْلِحنَا وتوجهنا نَحوه فَلَمَّا نزلنَا أَخذنَا فِي شَأْننَا وَقد كنت اخْتَرْت من رهبانه لعشرتنا من توسمت فِيهِ رقة الطَّبْع وسجاحة الْخلق حَسْبَمَا جرى بِهِ الرَّسْم فِي غشيان الْأَعْمَار وطروق الديرة وَمن التطرف بِعشْرَة أَهلهَا والأنسة بسكانها وَلم تزل الأقداح دَائِرَة بَين مطرب الْغناء وزاهر المذاكرة إِلَى أَن فض اللَّهْو ختامه ولوح السكر لصحبي أَعْلَامه وحانت مني نظرة إِلَى بعض الرهبان فَوَجَدته إِلَى خطابي متوثبا ولنظري إِلَيْهِ مترقبا فَلَمَّا أَخَذته عَيْني أكب يزعجني بخفي الغمز ووحي الْإِيمَاء فاستوحشت لذَلِك وأنكرته ونهضت عجلَان واستحضرته فَأخْرج إِلَيّ رقْعَة مختومة وَقَالَ لي قد لزمم فرض الْأَمَانَة فِيمَا تضمنته هَذِه الرقعة وونى وَسقط

<<  <  ج: ص:  >  >>