للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهؤلاء الرواة ما بين من رمي بالكذب والوضع، وبين المتّهم بالكذب، ومن تُرك حديثه لكثرة المناكير التي يرويها، ومن خلال ما نقلت عن الإمام أحمد يتبيّن أن موقفه من الرواية عنهم هو ترك الرواية عنهم وعدم الاعتداد بحديثهم.

وقد ذكر بعض الحفاظ مثل هذا عن الإمام أحمد. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "أما من عُرف منه أنه يتعمد الكذب فمنهم من لا يروي عن هذا شيئاً، وهذه طريقة أحمد بن حنبل وغيره، لم يرو في مسنده عمن يعرف أنه يتعمد الكذب، لكن يروي عمن عرف منه الغلط للاعتبار والاعتضاد. ومن العلماء من كان يسمع حديث من يكذب ويقول: إنه يميز بين ما يكذبه وبين ما لا يكذبه، ويذكر عن الثوري أنه كان يأخذ عن الكلبي وينهى عن الأخذ عنه ويذكر أنه يعرف … " (١).

وقال الحافظ ابن رجب: "وأحمد خرق حديث خلق ممن كتب حديثهم، ولم يحدث به، وأسقط من المسند حديث خلق من المتروكين لم يخرجه فيه مثل فائد أبي الورقاء، وكثير بن عبد الله المزني، وأبان بن أبي عياش وغيرهم، وكان يحدث عمن دونهم في الضعف … والذي يتبين من عمل الإمام أحمد وكلامه أنه يترك الرواية عن المتهمين والذين كثر خطؤهم للغفلة وسوء الحفظ، ويحدث عمن دونهم في الضعف مثل من في حفظه شيء ويختلف الناس في تضعيفه وتوثيقه" (٢).

وقد استدل الإمام مسلم على عدم جواز الرواية عن أهل التهم بحديث الذي رواه المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حدَّث عني بحديثٍ يُرى أنه كذبٌ فهو أحد الكاذِبِين" (٣)، ويُرى مضبوطة بضم الياء بمعنى يظن (٤).


(١) مجموع الفتاوى ١٨/ ٢٦.
(٢) شرح علل الترمذي ١/ ٣٨٤ - ٣٨٦.
(٣) مقدمة صحيح مسلم ص ٩.
(٤) النكت على كتاب ابن الصلاح ٢/ ٨٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>