للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللفظ لكن المعنى واحد، فيروي عنهم بلفظ واحد ولا يشير إلى اختلاف ألفاظهم اعتماداً على اتحاد المعنى، فهذا يرجع إلى مبحث الرواية بالمعنى، فيتقيد جواز هذا الصنيع بشروط الرواية بالمعنى. لكن الاتقان يقتضي من الراوي أن يبين صاحب اللفظ، وفي حالة عدم علمه بما يميز لفظ بعضهم عن البعض، يبين كذلك (١). وقد كان الإمام أحمد حريصاً على تمييز الألفاظ في السند والمتن، ومنه أخذ الإمام مسلم هذا الصنيع كما قال السخاوي (٢). فإن قيل إن هذا يقتضي حمل حديث بعض الشيوخ على البعض، يجاب بأن المحذور في هذا حيث كان بين الأحاديث اختلاف في المعنى، أو بالزيادة والنقصان، وهو خارج عن صورة المسألة.

الشق الثاني: أن يكون متن الحديث مجموعه من جماعة من الشيوخ ملفقاً بأن يكون عن كل شيخ قطعة منه، فيخلط ألفاظهم ويسوق الحديث سياقاً واحداً بلا تمييز لما عند كل واحد منهم (٣)، فهذا لا يقبل إلا من حافظ متقن لحديثه عارف بمواضع الاتفاق والاختلاف بين شيوخه كما تقدمت إشارة ابن رجب لصنيع الإمام الزهري في روايته لحديث الإفك، فإنه رواه عن عروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، وعلقمة بن وقّاص، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود كلهم عن عائشة رضي الله عنها، قال: "وكلهم حدثني طائفة من حديثها وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض، وأثبت له اقتصاصاً، وقد وعيْتُ عن كل رجل منهم الحديث الذي حدثني عن عائشة، وبعض حديثهم يصدق بعضاً، وإن كان بعضهم


(١) انظر: فتح المغيث ٣/ ١٨١.
(٢) المصدر السابق ٣/ ١٨٣. وانظر المثال الذي ذكره عن الإمام أحمد في المسند ١٩/ ٣٣٩: قال أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، وحجاج، قالا: حدثنا شعبة، عن منصور، عن ربعي بن حراش، عن أبي الأبيض ـ قال حجاج: رجل من بني عامر ـ عن أنس بن مالك قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العصر والشمس بيضاء محلقة".
(٣) انظر: فتح المغيث ٣/ ٢١١ - ٢١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>