للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أوعى له من بعض" (١). فذكر أنهم اختلفوا في الحديث، وكل واحد حدثه بجزء منه، وأنه حافظ لرواية كل واحد منهم على حدة، فلم يؤثر ذلك في الجمع بين ألفاظهم. على أنه قد انتقد على الإمام الزهري هذا الصنيع منه، كما نقله القاضي عياض قال: "انتقدوا على الزهري ما صنعه من روايته لهذا الحديث ملفقاً عن هؤلاء الأربعة، وقالوا: كان ينبغي له أن يفرد حديث كل واحد منهم عن الاخر" (٢).

ويزاد على هذا شرط آخر، وهو أن يكون الشيوخ كلهم ثقات، وأما حيث كان بعضهم يُستضعف فإنه يقع احتمال اختصاص الضعيف بشيء من الحديث عن الآخرين، ولأجل هذا المحذور كان يكره الإمام أحمد أن يروي الراوي حديثاً عن رجلين أحدهم مجروح، فيسقط اسم المجروح من السند ويقتصر على حمل الحديث عن الثقة وحده، فقد روى الخطيب من طريق الخلال عن حرب الكرماني أن أبا عبد الله قيل له: "فإذا كان الحديث عن ثابت وأبان عن أنس، يجوز أن أسمي ثابتاً وأترك أباناً؟ قال: لا، لعل في حديث أبان شيئاً ليس في حديث ثابت، وقال: إن كان هكذا فأحب أن يسميهما" (٣).

وهناك صورة أخرى لهذا الشق، وهي ما إذا كان بين أولئك الشيوخ تباين في أوجه رواية الحديث، كأن يكون عند بعضهم مرفوعاً وعند الآخرين موقوفاً، أو يكون عند بعضهم بزيادة رجل في الإسناد، ولا يكون كذلك عند الآخرين، أو غير ذلك من أوجه الاختلاف في السند، فالجمع بينهم في هذه الحالة أيضاً لا يكون مقبولاً إلا من حافظ متقن. وقد ذكر ابن رجب عن يعقوب بن شيبة أنه قال: "كان سفيان بن عيينة ربما يحدث بالحديث عن اثنين، فيسند الكلام عن


(١) صحيح البخاري ٧/ ٤٣١ ح ٤١٤١ - مع فتح الباري.
(٢) لم أقف عليه في الإلماع في تقييد السماع للقاضي عياض ونقلته بواسطة فتح الباري ٨/ ٤٥٦.
(٣) الكفاية في علم الرواية ص ٥٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>