للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالشاهد من هذا أن الإمام أحمد أنكر على من روى هذا الحديث ـ في الرواية التي جعلت قول ابن عمر مرفوعاً ـ بالتصريح بالخبر بين ابن جريج وشيخه سليمان بن موسى بناء على كون سماعهم من عبد الرزاق بأخرة بعد ما عمي، وبناء على عدم وجود تلك الرواية في كتب عبد الرزاق كما رواها من رواها عنه إذ كان بصيراً، وهذا مما يدل على أن الأخطاء وقعت في المرويات التي رُويت عن عبد الرزاق وهي ليست في كتبه كما رواها القدماء من أصحابه، بل جاءت من طريق من تحمّل عنه بعد ذهاب بصره.

وقد تقدم في مطلب إثبات الوضع بقرائن تعود إلى حال المروي أن الإمام أحمد أنكر حديث علي الذي روي من طريق عبد الرزاق بلفظ: "إن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الجبائر"، وقال: إنه باطل، وسأل عمّن حدّث به عن عبد الرزاق ـ منكِراً عليه ـ فقيل له: محمد بن يحيى الذهلي (١)، وقد قال الإمام أحمد في الذهلي: إنه قدم على عبد الرزاق مرتين: إحداهما بعدما عمي (٢). فلعل هذا مما سمعه في القدمة الثانية.


= وأما أحمد شاكر فقال: يحتمل أن يكون سليمان بن موسى وهم فأدخل الموقوف من كلام ابن عمر في المرفوع، ويتحمل أن يكون حفظ، وأن ابن عمر يذكره مرة هكذا ومرة هكذا تعليقه على جامع الترمذي ٢/ ٣٣٣.
والاحتمال الأول الذي ذكره رحمه الله بعيد، فكيف ينسب سليمان بن موسى إلى الوهم في إدخال الموقوف في المرفوع وقد ميّز بينهما في الرواية التي صرّح ابن جريج بالسماع منه، إلا إذا حكمنا برجحان الرواية التي ليس فيها التمييز، وقد تقدم وجه كونها مرجوحة. ثم حتى وإن حكمنا برجحانها فكونها وردت بالعنعنة من مدلس يقوي احتمال وجود واسطة بين سليمان وابن جريج وأن تلك الواسطة هي التي لم تميز بين اللفظين، فبرأ سليمان بن موسى، والله أعلم.
وأما الاحتمال الثاني فإنما يقبل لو صحت الرواية التي جعلت اللفظ الموقوف مرفوعاً، لأن الجمع فرع عن التصحيح، وحيث لم تصح فلا وجه لهذا الجمع.
(١) انظر: ص ١٤٠.
(٢) شرح علل الترمذي ٢/ ٧٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>