للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عدم اللقاء، أو عدم السماع، أو عدم سماع خبر بعينه. أما الصورة الأخيرة ـ وهي عدم سماع خبر بعينه ـ فهي التي كان أكثر إطلاق التدليس عليها لدى الإمام أحمد، ولا خلاف بين الأئمة المتقدمين منهم والمتأخرين أن هذه صورة للتدليس، لأن فيها إيهام السماع مع انتفائه في الواقع. وقد قصر بعض المحدثين التدليس على هذه الصورة منهم الإمام الشافعي (١)، والبزار (٢)، وابن عبد البر (٣)، وأبي الحسن بن القطان (٤)، وابن حجر (٥)، خلافاً لما ذكره ابن الصلاح ونسبه العراقي إلى أنه المشهور عن أهل الحديث (٦).

أما الصورة الثالثة ـ وهي الرواية عمن لقيه ولم يسمع منه في الجملة ما لم يسمعه منه، وهي الأولى من صورتي الإرسال الخفي ـ فالذي ورد عن الإمام أحمد هو إطلاق الإرسال عليها وعدم السماع، وما ورد عنه من إطلاق التدليس عليها كان بالنسبة لراوٍ عُرِف واشتهر بالتدليس (٧)، وهو شيخه هُشيم بن بشير،


(١) قال في الرسالة في تعريف المدلس: أن يحدث عن من لقي ما لم يسمع منه ص ٣٧١. وعبّر باللقاء عن السماع، وهذا من تصرف المحدثين انظر: فتح المغيث ١/ ٢٠٨.
(٢) نقله عنه العراقي في التقييد والإيضاح ص ٨٠ وقال إنه في جزء له في معرفة من يترك حديثه أو يقبل، وحدَّه بأنه رواية الراوي عمن قد سمع منه ما لم يسمعه منه من غير أن يذكر أنه سمعه منه.
(٣) قال في التمهيد ١/ ١٥: التدليس هو أن يحدث الرجل عن الرجل قد لقيه وأدرك زمانه، وأخذ عنه، وسمع منه، وحدث عنه بما لم يسمعه، وإنما سمعه من غيره عنه ممن ترضى حاله أو لا ترضى …
(٤) قال في أواخر بيان الوهم الإيهام ٥/ ٤٩٣: ونعني به أن يروي المحدث عمن قد سمع منه ما لم يسمع منه من غير أن يذكر أنه سمعه منه. ا. هـ.
(٥) حيث أقر تعريف ابن القطان وقال: إن التدليس يختص بالرواية عمن له عنه سماع النكت على كتاب ابن الصلاح ٢/ ٦١٥.
(٦) وهو أن التدليس أن يروي عمن لقيه ما لم يسمعه منه موهماً أنه سمعه منه، أو عمن عاصره ولم يلقه موهما أنه قد لقيه وسمعه منه علوم الحديث ص ٧٨، التقييد والإيضاح ص ٨٠.
(٧) ومثله أيضاً حفص بن غياث الذي تقدم عن الإمام أحمد وصفه بالتدليس عن شيخه أبي إسحاق الشيباني ص ٥٩١، فقد روى أبو داود قال: قلت لأحمد: حفص أعني ابن غِياث لم يسمع من أشعث بن عبد الملك؟ قال: نعم، وأشعث بن سوّار، وربما لم يُبين سؤالات أبي دواد للإمام أحمد ص ١٦٤ رقم ١١. ففي هذا أيضاً إطلاق التدليس فيما لم يكن فيه سماع في الجملة مع وجود اللقاء، إلا أن ذلك الإطلاق وقع في حق راوي معروف بالتدليس.
وعند سائر من ذكر من الأئمة أيضاً يمكن توجيه ما ورد من إطلاقهم التدليس على ما صورته إرسال خفي بمثل ما ذكر عن الإمام أحمد: فابن معين قال ذلك في هشيم، والبخاري، والفسوي، وابن عدي قالوا ذلك في سعيد بن أبي عروبة، وكلاهما معروفان بالتدليس.

<<  <  ج: ص:  >  >>