للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتِ {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: ٨٢] شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَقَالُوا: أَيُّنَا لَا يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «لَيْسَ هُوَ كَمَا تَظُنُّونَ، إِنَّمَا هُوَ كَمَا قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ: {يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: ١٣]» (١). اهـ.

قال الشوكاني:» وَمَعْنَى وَهُوَ يَعِظُهُ يُخَاطِبُهُ بِالْمَوَاعِظِ الَّتِي تُرَغِّبُهُ فِي التَّوْحِيدِ وَتَصُدُّهُ عَنِ الشِّرْكِ {يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ} قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِكَسْرِ الْيَاءِ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ بِإِسْكَانِهَا. وَقَرَأَ حَفْصٌ بِفَتْحِهَا، وَنَهْيُهُ عَنِ الشِّرْكِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ كَافِرًا، وَجُمْلَةُ: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ تَعْلِيلٌ لِمَا قَبْلَهَا، وَبَدَأَ فِي وَعْظِهِ بِنَهْيِهِ عَنِ الشِّرْكِ؛ لِأَنَّهُ أَهَمُّ مِنْ غَيْرِهِ» (٢). اهـ.

قال أبو حيان: «ولأن لقمان كان رجلًا حكيمًا ابتدأ بابنه، وخصه بذلك أولًا لأنه أقرب الناس إليه، وأحبهم إلى قلبه، وآثرهم عنده، قيل: إن ابنه وامرأته كانا كافرين، فما زال يعظهما حتى أسلما» (٣). اهـ

قال الألوسي: «{لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ} [لقمان: ١٣] قِيلَ: كَانَ ابْنُهُ كَافِرًا وَلِذَا نَهَاهُ عَنِ الشِّرْكِ، فَلَمْ يَزَلْ يَعِظهُ حَتَّى أَسْلَمَ، وَكَذَا قِيلَ فِي امْرَأَتِهِ وَقِيلَ: كَانَ مُسْلِمًا، وَالنَّهْيُ عَنِ الشِّرْكِ تَحْذِيرٌ لَهُ عَنْ صُدُورِهِ مِنْهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ.

{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: ١٣] وَالظَّاهِر أَنَّ هَذَا مِنْ كَلَامِ لُقْمَانَ، وَيَقْتَضِيهِ كَلَامُ مسْلِمٍ فِي «صَحِيحِهِ»، وَالْكَلَامُ تَعْلِيلٌ لِلنَّهْيِ، أَوِ الِانْتِهَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، وَقِيلَ: هُوَ خَبرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى


=ضعف، وله شاهد من حديث أنس عند أبي داود الطيالسي (٣/ ٥٧٩)، وقد حسنه به الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (١٩٢٧).
(١) التحرير والتنوير (٢٢/ ١٥٥)، يُنظر: شرح النووي على مسلم (٢/ ٢٠٧). والحديث أخرجه البخاري في "كتاب الإيمان" "باب ظلم دون ظلم" حديث (٣٢)، وأخرجه مسلم حديث (١٢٤)، وأخرجه الترمذي في: كتاب التفسير "باب ومن سورة الأنعام" حديث (٣٠٦٧).
(٢) فتح القدير (١/ ١١٤٢).
(٣) البحر المحيط (٧/ ١٨٣).

<<  <   >  >>