للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{يَأْتِ بِهَا اللَّهُ} [لقمان: ١٦] أَبْلَغُ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: يَعْلَمُهَا اللَّهُ; لِأَنَّ مَنْ يَظْهَرُ لَهُ الشَّيْءُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى إِظْهَارِهِ لِغَيْرِهِ يَكُونُ حَالُهُ فِي الْعِلْمِ دُونَ حَالِ مَنْ يَظْهَرُ لَهُ الشَّيْءَ، وَيُظْهِرُهُ لِغَيْرِهِ، فَقَوْلُهُ: {يَأْتِ بِهَا اللَّهُ} [لقمان: ١٦] أَيْ: يُظْهِرُهَا اللَّهُ لِلإِشْهَادِ. وَقَوْلهُ: {إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ} [لقمان: ١٦] (أَيْ: نَافِذُ الْقُدْرَةِ)، {خَبِيرٌ} [لقمان: ١٦] أَيْ: عَالِمٌ بِبَوَاطِنِ الْأُمُورِ» (١).

وقال ابن عطية: «وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ لُقْمَانَ إِنَّمَا قَصَدَ بِهِ إِعْلَامَ ابْنِهِ بِقَدْرِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى» (٢).

وقال ابن سعدي: «{يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ} [لقمان: ١٦] الَّتِي هِيَ أَصْغَرُ الْأَشْيَاءِ وَأَحْقَرُهَا، {فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ} [لقمان: ١٦] أَيْ: فِي وَسَطِهَا {أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ} [لقمان: ١٦] فِي أَيِّ جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِهِمَا {يَأْتِ بِهَا اللَّهُ} [لقمان: ١٦] لِسِعَةِ عِلْمِهِ، وَتَمَامِ خِبْرَتِهِ وَكَمَالِ قُدْرَتِهِ، وَلِهَذَا قَالَ: {إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (١٦)} [لقمان: ١٦] أَيْ: لَطِيفٌ فِي عِلْمِهِ وَخِبْرَتِهِ، حَتَّى اطَّلَعَ عَلَى الْبَوَاطِنِ وَالْأَسْرَارِ، وَخَفَايَا الْقِفَارِ وَالْبِحَارِ.

وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْحَثُّ عَلَى مُرَاقَبَةِ اللَّهِ، وَالْعَمَلُ بِطَاعَتِهِ، مَهْمَا أَمْكَنَ، وَالتَّرْهِيبُ مِنْ عَمَلِ الْقَبِيحِ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ» (٣).

وقال ابن الجوزي: «وَفِي قَوْلِهِ: {يَأْتِ بِهَا اللَّهُ} [لقمان: ١٦] ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ.

أَحَدُهَا: يَعْلَمُهَا اللَّهُ، قَالَهُ أَبُو مَالِكٍ.

وَالثَّانِي: يُظْهِرُهَا، قَالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ.

وَالثَّالِثُ: يَأْتِ بِهَا اللَّهُ فِي الْآخِرَةِ لِلْجَزَاءِ عَلَيْهَا. (إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ) قَالَ الزَّجَّاجُ: لَطِيفٌ بِاسْتِخْرَاجِهَا (خَبِيرٌ) بِمَكَانِهَا.


(١) الفخر الرازي (٢١/ ١٣٠).
(٢) ابن عطية (٧/ ٢١).
(٣) ابن سعدي (٦/ ١٣٥٢).

<<  <   >  >>