للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فِي أَرْجَاءِ السَّمَاوَاتِ أَوِ الْأَرْضِ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِهَا; لِأَنَّهُ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ، وَلَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ؛ وَلِهَذَا قَال: {إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (١٦)} [لقمان: ١٦] أَيْ: لِطَيْفُ الْعِلْمِ، فَلَا تَخْفَى عَلَيْهِ الْأَشْيَاءُ وَإِنْ دَقَّتْ وَلَطُفَتْ وَتَضَاءَلَتْ (خَبِيرٌ) بِدَبِيبِ النَّمْلِ فِي اللَّيْلِ الْبَهِيمِ» (١).

وقال الطبري: «وَعَنَى بِقَوْلِهِ: (مِثْقَالَ حَبَّةٍ): زِنَةَ حَبَّةٍ. فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذَنْ: إِنَّ الْأَمْرَ إِنْ تَكُ زِنَةُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ عَمِلْتَهُ، فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ، أَوْ فِي السَّمَوَاتِ، أَوْ فِي الْأَرْضِ، يَأْتِ بِهَا اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يُوَفِّيَكَ جَزَاءَهُ، وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.

قَوْلِهِ: {فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ} [لقمان: ١٦] أَيْ: جَبَلٍ. {يَأْتِ بِهَا اللَّهُ} [لقمان: ١٦] قَالَ: يَعْلَمُهَا اللَّهُ. {إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (١٦)} [لقمان: ١٦] أَيْ: لَطِيفٌ بِاسْتِخْرَاجِهَا، خَبِيرٌ بِمُسْتَقَرِّهَا» (٢).

وقال أبو حيان: «{يَأْتِ بِهَا اللَّهُ} [لقمان: ١٦] يوم القيامة، فيحاسب عليها.

{إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ} [لقمان: ١٦] (يتوصل علمه إلى كل خفي) {خَبِيرٌ} [لقمان: ١٦]: (عالم بكنهه)» (٣).

وقال الرازي: «{يَابُنَيَّ إِنَّهَا} [لقمان: ١٦]: أي: الحسنة والسيئة إن كانت في الصغر مثل حبة خردل، وتكون مع ذلك الصغر في موضع حريز كالصخرة لا تخفى على الله.

فَقَوْلُهُ: {إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ} [لقمان: ١٦] إِشَارَةٌ إِلَى الصِّغَرِ، وَقَوْلُهُ: [لقمان: ١٦] إِشَارَةٌ إِلَى الْحِجَابِ، وَقَوْلُهُ: {أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ} [لقمان: ١٦] إِشَارَةٌ إِلَى الْبُعْدِ فَإِنَّهَا أَبْعَدُ الْأَبْعَادِ، وَقَوْلُهُ: {أَوْ فِي الْأَرْضِ} [لقمان: ١٦] إِشَارَةٌ إِلَى الظُّلُمَاتِ فَإِنَّ جَوْفَ الْأَرْضِ أَظْلَمُ الْأَمَاكِنِ. وَقَوْلهُ:


(١) ابن كثير (٦/ ٣٣٨).
(٢) الطبري (٢٠/ ١٤٢).
(٣) أبو حيان (٧/ ١٨٨).

<<  <   >  >>