للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالتراب، الذي هو موطئ الأقدام وأخس الأشياء، فقد انتهى من الذُّل إلى الغاية القصوى وهذا يصلح أن يدعى به على من فرَّط في متأكدات المندوبات، ويصلح لمن فرط في الواجبات، وهو الظاهر، وتخصيصه عند الكبر بالذكر -وإن كان برهما واجبًا على كل حال- إنما كان ذلك لشدة حاجتهما إليه؛ ولضعفهما عن القيام بكثير من مصالحهما، فيبادر الولد اغتنام فرصة برهما؛ لئلا تفوته بموتهما فيندم على ذلك» (١).

وقوله سبحانه: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان: ١٤]: يأمر الله تعالى بعد ذلك بشكره سبحانه ويقرنه بشكر الوالدين، وفي ذلك توكيد بعد توكيد لبيان مكانة وقدر الوالدين واعترافًا وإقرارًا بحقهما ووجوب برهما والإحسان إليهما.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: «ثَلَاثُ آيَاتٍ نَزَلَتْ مَقْرُونَةً بِثَلَاثِ آيَاتٍ لَا يُقْبَلُ وَاحِدَةٌ مِنْهَا بِغَيْرِ قَرِينَتِهَا:

أَوَّلُهَا: قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: ٤٣]، فَمَنْ صَلَّى وَلَمْ يُؤَدِّ الزَّكَاةَ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ الصَّلَاةُ.

وَالثَّانِي: قَوْله تَعَالَى: {اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان: ١٤]، فَمَنْ شَكَرَ اللَّهَ وَلَمْ يَشْكُرْ وَالِدَيْهِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ.

وَالثَّالِثُ: قَوْله تَعَالَى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء: ٥٩]، فَمَنْ أَطَاعَ اللَّهَ وَلَمْ يُطِعْ الرَّسُولَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ» (٢).


(١) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (٦/ ٥١٨).
(٢) غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب، للسفاريني، مؤسسة قرطبة، ط ٢، (١٤١٤ هـ/ ١٩٩٣ م) (ص ٣٩٢).

<<  <   >  >>