للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هناء وصفاء، الشَّيء الذي جعل الرَّسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- لا يُقدِّم عليها أحدًا في البرّ والخير والإحسان، وأكَّد أنَّها أحقّ النَّاس بحسن الصُّحبة على النَّاس جميعًا بما فيهم الأب.

كما أوضح -صلى الله عليه وسلم- أنَّه ليس هناك أحد أحقّ بالعطف، والحنان، والرَّحمة، والإحسان، من الأب العطوف الرَّحيم، الذي ينفق من نفائس أمواله في تربية ابنه، وإرشاده لِمَا ينفعه في دينه ودنياه، فكان أحقّ النَّاس بحسن الصُّحبة على النَّاس جميعًا بعد الأُم.

وأكَّد تعالى الوصية بهما في حال الكِبر، حين حاجتهما إلى الإكرام والإحسان، وبذل النَّفس والمال في سبيل مصلحتهما، والسَّعي الجاد في كسب رضاهما، ولذا نجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «رغم أنف مَنْ أدرك والديه عند الكِبر أحدهما أو كليهما فلم يدخلاه الجنَّة» (١).

ومعنى الحديث أنَّه ذلّ، وقيل: كره وخزي، والرّغام أصله لصق الأنف بالرّغام، وهو تراب مختلط برمل، والرّغم هو كل ما أصاب الأنف مما يؤذيه.

ويستفاد من هذا الحديث الحثّ على برّ الوالدين وعظيم ثوابه، وأنَّ برّهما عند ضعفهما وكبرهما (خاصة) بالخدمة أو بالنَّفقة أو غيره سبب لدخول الجنَّة، فمَنْ قصَّر في ذلك؛ فاته دخول الجنَّة، (يعني ابتداءً) وأرغم الله أنفه، ويؤيِّد هذا الحديث، قوله تعالى: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (٢٣)} [الإسراء: ٢٣] (٢).

قال القرطبي: «وهذا دعاء مؤكد على من قصَّر في بر أبويه، ويحتمل وجهين:

أحدهما: أن يكون معناه: صرعه الله لأنفه فأهلكه، وهذا إنما يكون في حق من لم يقم بما يجب عليه من برهما.

وثانيهما: أن يكون معناه: أذله الله؛ لأن من ألصق أنفه، الذي هو أشرف أعضاء الوجه،


(١) أخرجه مسلم في كتاب البرّ والصِّلة، باب رغم أنف مَنْ أدرك أبويه أو أحدهما عند الكبر فلم يدخل الجنَّة (برقم: ٢٥٥١) (٤/ ١٩٧٨).
(٢) بر الوالدين في ضوء السنة النبوية الشريفة (ص ٧٥) د/ سعاد سليمان إدريس الخندقاويّ -عن مجلة جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية- الصادرة عن جامعة أم درمان الإسلامية -العدد الخامس عشر (١٤٢٨ هـ) - بتصرف.

<<  <   >  >>