للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمشي في الأرض مرحًا هو: المشي بشدة وطءٍ على الأرض ولا شك أن هذه الشدة فيها مقصود الكبر، وقد مضى معنا بيان معنى المشي أنه بإرادة. والماشي في الأرض مرحًا هو الماشي في تخايل وتكبر، يطأ الأرض بشدة متعمدًا الكبر وقاصدًا له بإرادته، وذلك ليترفع ببدنه علوًّا واستطالة على الخلق، وغرورًا وإعجابًا بالنفس، وتكبرًا عليهم وازدراءً لهم، ولاريب أن كل ذلك من عمل الشيطان، ولقد حثنا ديننا الحنيف على التواضع وأمرنا بالخضوع لله رب العالمين، لأن هذا الرب العظيم حرّم على عباده الكبر، والتعاظم والتعالي والاستعلاء في الأرض، وفي ذلك يقول -صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ الله أوحى إليَّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحدٌ على أحد، ولا يبغي أحدٌ على أحدٍ» (١).

والتواضع لعباد الله يكون عبودية لله وتزلفًا وتقربًا لديه سبحانه، ولذلك كان من صفات عباد الرحمن أنهم: {يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان: ٦٣].

قال الزَّمَخْشَرِيُّ المعتزلي: «هونًا: حال أو صفة للمشي بمعنى: هينين، أو مشيًا هينًا، والهون: الرفق واللين، والمعنى: أنهم يمشون بسكينة ووقار وتواضع» (٢).

وفي وصف أهل الإيمان أنهم: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة: ٥٤].

قال ابن كثير: «وقوله: {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا} [لقمان: ١٨] أي: جذلًا متكبرًا جبارًا عنيدًا، لا تفعل ذلك يبغضك الله» (٣).

قال القرطبي: «{وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا} [لقمان: ١٨] أَيْ: مُتَبَخْتِرًا مُتَكَبِّرًا، وَهُوَ النَّشَاطُ وَالْمَشْيُ فَرَحًا فِي غَيْرِ شُغْلٍ وَفِي غَيْرِ حَاجَةٍ. وَأَهْلُ هَذَا الْخُلُقِ مُلَازِمُونَ لِلْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ؛ فَالْمَرِحُ مُخْتَالٌ


(١) رواه مسلم (٢٨٦٥) من حديث عياض بن حمار رضي الله عنه.
(٢) تفسير الكشاف (٣/ ٢٨٣).
(٣) ابن كثير (٦/ ٣٣٩).

<<  <   >  >>