للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فِي مِشْيَتِهِ» (١).

{وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا} [لقمان: ١٨]. قال ابن سعدي: «أي: بطرًا، فخرًا بالنعم، ناسيًا المنعم معجبًا بنفسك» (٢). ولقمان كأنه أراد أن يلفت نظر ولده إلى أن الأرض التي تمشي عليها من ترابها قد خُلِقْتَ، ومصيرك إليها، فعلامَ يكون المشي مرحًا والتطاول عليها.

ويعبر البقاعي عن هذا المعنى فيقول: «ولما كان في أسلوب التواضع وذم الكبر، ذكره بأن أصله تراب، وهو لا يقدر أن يعدوه فقال: (في الأرض)، وأوقع المصدر موقع الحال أو العلة فقال: (مرحًا) أي: اختيالًا وتبخترًا، أي: لا تكن منك هذه الحقيقة؛ لأن ذلك مشي أشر وبطر وتكبر، فهو جدير بأن يظلم صاحبه ويفحش ويبغي، بل امش هونًا فإن ذلك يفضي بك إلى التواضع، فتصل إلى كل خير، فترفق بك الأرض إذا صرت فيها حقيقة بالكون في بطنها» (٣).

ويقول الشوكاني: ويقول الشوكاني: «{وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا} [لقمان: ١٨] أَيْ: خُيَلَاءَ وَفَرَحًا، وَالْمَعْنَى النَّهْيُ عَنِ التَّكَبُّرِ وَالتَّجَبُّرِ، وَالْمُخْتَالُ يَمْرَحُ فِي مَشْيِهِ، وَهُوَ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ» (٤).

ومثله قوله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان: ٦٣].

يقول ابن كثير: «هذه صفات عباد الله المؤمنين: {الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان: ٦٣]. أي: بسكينة ووقار من غير جبريَّة ولا استكبار، كما قال تعالى: {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} [الإسراء: ٣٧]» (٥).

لقد تضمنت هذه الآية (آية الإسراء) النهي عن مشية المرح والتكبر، لما اتصف فاعلها


(١) القرطبي (١٤/ ٦٦).
(٢) ابن سعدي (٦/ ١٣٥٣).
(٣) نظم الدرر (١٥/ ١٧٧).
(٤) الشوكاني فتح القدير (١/ ١١٤٣).
(٥) ابن كثير (٦/ ١٢١/ ١٢٢).

<<  <   >  >>