للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويُختَمُ الكلامُ عن المشي في الأرض مرحًا بنفيسة من نفائس ابن عاشور حيث يقول:

وموقع قوله: (في الأرض) بعد (لا تمش) مع أن المشي لا يكون إلا في الأرض هو الإيماء إلى أن المشي في مكان يمشي فيه الناس كلهم قويهم وضعيفهم، ففي ذلك موعظة للماشي مرحًا أنه مساوٍ لسائر الناس (١).

{إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (١٨)} [لقمان: ١٨].

إن من كمال تربية لقمان وتمام موعظته أن سعى لتوجيه ولده لخلق التواضع ونبذ أخلاق المتكبرين وصفات المتعالين، من الفخر والخيلاء والإعجاب بالنفس ومدحها وذم الآخرين، وبيان بغض الله لأهلها وذمهم وذم فعالهم، وذلك لصيانته عن هذه الأخلاق الذميمة وتلك الصفات القبيحة، حفظًا لديانته وصيانة لمروءته.

وفي ذلك يقول ابن كثير: «{إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} أي: مختال معجب في نفسه، فخور: أي على غيره» (٢).

والمختال هو: من يمشي مشية البطر الأشر المتكبر المترفع على الناس عمومًا وعلى أقرانه خصوصًا. والفخور هو: الذي يذكر مناقبه ومآثره ومآثر آبائه وأجداده ومناقبهم ومحامدهم متطاولًا بذلك على سامعيه ومتفاخرًا عليهم تباهيًا بنفسه وتعظيمًا لذاته.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-، أَوْ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ -صلى الله عليه وسلم-: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي حُلَّةٍ تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ مُرَجِّلٌ جُمَّتَهُ؛ إِذْ خَسَفَ اللَّهُ بِهِ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» (٣).

ويقول مجاهد في ذلك: «{إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (١٨)} [لقمان: ١٨] قَالَ: مُتَكَبِّرٍ. وَقَوْلُهُ:


(١) ابن عاشور (٢٢/ ١٦٧).
(٢) ابن كثير (٣/ ٣٣٩).
(٣) رواه البخاري (٣٢٩٧)، ومسلم (٢٠٨٨).

<<  <   >  >>