للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإن مخاطبة الناس بصوت منخفض ومعتدل يتحقق به المرغوب ويُنالُ به المطلوب، وفي نحو ذلك، يقول أبو حيان: «وغض الصوت أوفر للمتكلم، وأبسط لنفس السامع وفهمه» (١).

ومع ذلك فهو يدل على رجاحة العقل والثقة بالنفس مع الدلالة على كمال الأخلاق وحسن الأدب الذي يرقى بصاحبه إلى مدارج أهل الفضل الذين بلغوا الدَّرَجَاتُ الْعُلَا من الكمال البشري، ويجد من الناس الاطمئنان إليه، والإقبال على حديثه، والإنصات إليه، والإصغاء له وتصديقه، والثقة فيما يروي من كلام وأخبار وغير ذلك، ذلك لأن الكلمة الطيبة الهادئة لها مكانتها في النفوس وتُبَلِّغُ صاحبها ما أراد من الخير ما لا تبلغه بعلو الصوت المصحوب بالصخب والرعونة وأذى السامع، هذا مع ما يقع في قلوبهم من محبته وإجلاله وتقديره وتبجيله وقبول ما يدعو إليه.

ولذا رتب لقمان الحكيم مواعظه لولده فجاءت منتظمة كعقد فريد منتظم ومتتابع كحبات من لؤلؤ صافٍ من النضارة والبهاء والصفاء والجمال والكمال والتمام مبتدئًا بالأهم فالمهم، فجاءت تلك الموعظة مناسبة بعد الموعظة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ولهذا كان على كل لبيب عاقل ناصح لنفسه أن يربأ بها عن علو الصوت لغير حاجة مرعية يرجو من ورائها أي مصلحة شرعية.

لذا يقول ابن زيد: «لو كان رفع الصوت هو خيرًا ما جعله للحمير» (٢).

وقال ابن سعدي: «فلو كان في رفع الصوت البليغ فائدة ومصلحة، لما اختص بذلك الحمار،


(١) أبو حيان (٨/ ١٨٧).
(٢) الطبري (جـ ٢٠) (ص ١٤٧).

<<  <   >  >>