للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الذي قد علمت خسته وبلادته» (١).

وعلو الصوت غالبًا ما يكون عند الخصومات، فالصوت المرتفع هنا من غير حاجة حجته داحضة واهية ومرفوضة، فالصخب وعلو الصوت لا يثبتان حقًا، والحجج الواضحات لا يثبتها صوت مرتفع فليس كل من علا صوته محقًّا، فالحق حق في نفسه، فالمحق من يثبت حقه بالحجة الدامغة والبرهان الساطع والدليل الواضح، وكذلك خفض الصوت لا يضيع حقًّا، ونفوس البشر بجبلتها تميل إلى الصوت المعتدل في هدوئه واتزانه وانضباطه، مع أن رفع صوت المتكلم فيه دلالة على عدم إجلال وتقدير المُخَاطَب، فكيف إذا كان علو الصوت مقرونًا بكلام خارج عن مدارج الأدب، أو عند مخاصمة لا يُتمسكُ فيها بمكارم الأخلاق ومحامد الصفات، أو في بيت من بيوت الله تعالى لا تُرَاعَى حرمتُهُ ولا مكانتُهُ، أو بحضور من لهم مكانة سامية كالوالدين أو أهل العلم والفضل ومن في نحو مكانتهم، أو عند النوازل والمصائب التي يجب فيها التصبر وعدم التسخط على أقدار الله في خلقه؟! فلا شك في كون الخطب أعظمَ وأَجَلَّ.

يقول القرطبي: «في الآية دليل على تعريف قبح رفع الصوت في المخاطبة والملاحاة، بقبح أصوات الحمير، لأنها عالية» (٢).

يقول الألوسي: «وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْغَضِّ مِنَ الصَّوْتِ الْغَضُّ مِنْهُ عِنْدَ التَّكَلُّمِ وَالْمُحَاوَرَةِ، وَقِيلَ: الْغَضُّ مِنَ الصَّوْتِ مُطْلَقًا فَيَشْمَلُ الْغَضَّ مِنْهُ عِنْدَ الْعُطَاسِ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ عِنْدَهُ إِنْ أَمْكَنَهُ عَدَمُ الرَّفْعِ، ثمَّ إِنَّ الْغَضَّ مَمْدُوحٌ إِنْ لَمْ يَدْعُ دَاعٍ شَرْعِيٌّ إِلَى خِلَافِهِ» (٣).

والظاهر أن الأمر بِغَضِّ الصوت يشمل كل صوت؛ لأن الأصل فيه أن يُحمَل على العموم ما لم يأتِ مخصص يخصصه، ولا شك أن هذا أجمع وأشمل، فهو أكمل في الأدب وأعم في


(١) تفسير السعدي (جـ ١) (ص ٦٤٨).
(٢) تفسير القرطبي (جـ ١٤) (ص ٧٢).
(٣) الألوسي (٢١/ ٩١).

<<  <   >  >>