للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ورفع الصوت مع ما فيه من الرعونة والأذى للسامع، فهو منكر تنفر منه النفوس السوية والفطرة والطباع السليمة.

ويبين القرطبي الضرر المترتب على التكلف في رفع الصوت عن حده ممثلًا ومستشهدًا بأثر عمر رضي الله عنه، فيقول: و «قوله تعالى: {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} [لقمان: ١٩] أي انقص منه، أي: لا تتكلف رفع الصوت، وخذ منه ما تحتاج إليه، فإن الجهر بأكثر من الحاجة تكلف يؤذي. والمراد بذلك كله التواضع، وقد قال عمر لمؤذن تكلف رفع الأذان بأكثر من طاقته: لقد خشيت أن ينشق مريطاؤك، والمؤذن هو أبو محذورة (١) سمرة بن معير الجمحي.

(والمريطاء) بميم مضمومة، ثم راء مفتوحة، ثم ياء مثناة من تحت ساكنة، ثم طاء مهملة بالمد والقصر: (ما بين السرة إلى العانة)» (٢).

ويؤيده أبو حيان فيقول: «ورفع الصوت يؤذي السامع ويقرع الصماخ بقوة، وربما يخرج الغشاء الذي هو داخل الأذن» (٣).

وبنحو قولهما يقول الشوكاني: «{وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} [لقمان: ١٩] أَيِ: انْقُصْ مِنْهُ وَاخْفِضْهُ وَلَا تَتَكَلَّفْ رَفْعَهُ، فَإِنَّ الْجَهْرَ بِأَكْثَرَ مِنَ الْحَاجَةِ يُؤْذِي السَّامِعَ» (٤).


(١) أبو محذورة: سمرة، وقيل: أوس بن معير الجمحي، أبو محذورة: المؤذن، أمه من خزاعة، اشتهر بلقبه، واختلفوا في اسمه واسم أبيه. أسلم بعد حنين، وكان الأذان قبله دعوة للناس إلى الصلاة، على غير قاعدة.
وسمع في الجعرانة صوتًا غير منسجم يقلده هزؤًا به، واستحسن رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته ودعاه إلى الإسلام فأسلم، قال: وألقى عليَّ التأذين هو بنفسه فقال: «قل: الله أكبر الله أكبر».
ولمّا تعلّم الأذان جعله مؤذنه الخاص وطلب أن يكون مؤذن مكة، فكان، وظل الأذان في بنيه وبني أخيه مدة، ورويت عنه أحاديث، توفي سنة (٥٩ هـ).
ينظر ترجمته في: الاستيعاب (٢/ ٦٢)، والإصابة (٣/ ٣٩٧)، والأعلام للزركلي (٢/ ٣١).
(٢) تفسير القرطبي (جـ ١٤) (ص ٧١) بتصرف يسير، (٣/ ١٢١)، وينظر: المجموع شرح المهذب، للنووي، باب: الأذان، كتاب الصلاة.
(٣) أبو حيان (٧/ ١٨٩).
(٤) الشوكاني فتح القدير (١/ ١١٤٣).

<<  <   >  >>