للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والتواصل الروحي بين أهل الإيمان في كل عصر ومصر. وهي من أعظم العبادات في الإسلام وأحد أركانه العظام، وهي وسيلة عظيمة، من أعظم غاياتها ومقاصدها أن ينتهي الإنسان عن الفحشاء والمنكر، فإذا لم ينته المصلي عن مقصود الصلاة فقد قصرت به تلك الوسيلة العظيمة عن بلوغ مقصودها وغاياتها ألا وهو الانتهاء عن الفحشاء والمنكر.

قال تعالى: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت: ٤٥].

يقول ابن سعدي: «وجه كون الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، أن العبد المقيم لها، المتمم لأركانها وشروطها وخشوعها، يستنير قلبه، ويتطهر فؤاده، ويزداد إيمانه، وتقوى رغبته في الخير، وتقل أو تعدم رغبته في الشر، فبالضرورة مداومتها والمحافظة عليها على هذا الوجه تنهى عن الفحشاء والمنكر، فهذا من أعظم مقاصدها وثمراتها» (١) انتهى.

ويقول ابن عاشور: «فكانت الصلاة بمجموعها كالواعظ الناهي عن الفحشاء والمنكر، فإن الله تعالى قال: {تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: ٤٥] ولم يقل تصد وتحول ونحو ذلك مما يقتضي صرف المصلي عن الفحشاء والمنكر. ثم الناس في الانتهاء متفاوتون، وهذا المعنى من النهي عن الفحشاء والمنكر هو من حكمة جعل الصلوات موزعة على أوقات من النهار والليل، ليتجدد التذكير وتتعاقب المواعظ، وبمقدار تكرر ذلك تزداد خواطر التقوى في النفوس، وتتباعد النفس من العصيان حتى تصير التقوى ملكة. ووراء ذلك خاصية إلهية جعلها الله في الصلاة، يكون بها تيسير الانتهاء عن الفحشاء والمنكر» (٢).

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «نَفْسُ فِعْلِ الطَّاعَاتِ يَتَضَمَّنُ تَرْكَ الْمَعَاصِي، وَنَفْسُ تَرْكِ الْمَعَاصِي يَتَضَمَّنُ فِعْلَ الطَّاعَاتِ وَلِهَذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، فَالصَّلَاةُ


(١) ابن سعدي (٦٣٢).
(٢) ابن عاشور (٢٠/ ١٧٨ - ١٧٩).

<<  <   >  >>