عِنْده أَيَّامًا، ثمَّ كتب جوابَ كتابي، فلمَّا انصَرفتُ رفعتُه إِلَى عبد الْملك فَجعل يَقْرَؤُهُ، ويتغَّير لونُه، ثمَّ قَالَ: يَا شعْبيُّ: علمتَ مَا كتب الطاغيةُ؟ قلتُ: يَا أميرَ المؤمنينَ. كَاتب الكتُبُ مختومةً وَلم لْم تكُن مختومةً مَا قرأتُها. وَهِي إليكَ. قَالَ: إِنَّه كتبَ: إنّ العجبَ من قوم يكُونُ فيهم مثلُ من أرَسَلتَ بِهِ إلىَّ فيملِّكون غيْرهُ. قَالَ: فقلتُ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، ذَاك لأنَّه لم يركَ. قَالَ: فَسرِّىَ عَنهُ، ثمَّ قَالَ: حسدني علْيكَ، فأرادَ أَن أقْتلك. سَأَلَ رجلٌ الشَّعْبيَّ، قالَ: أتَشْرَبُ نبيذَ الجرِّ الأخْضر؟ قَالَ: نعمْ، وأشربُ نَبِيذ الدَّن. سَأَلَ رجلٌ الشعْبيَّ عَن رجل لَطم عيْن رجل فشرقتْ أوْاغرَوْقت: مَتى تقاد مِنْهَا. قَالَ الشّعبِيّ: قدِمتُ على عبدِ الْملك، فَمَا رأيتُ أحسن حَدِيثا مِنْه إِذا حدَّثَ، وَلَا أحسَن إنْصاتاً مِنْهُ إِذا حُدِّثَ، وَلَا أَعْلَم مِنْهُ إِذا خُولِفَ، وأخطأتُ عِنْده فِي أَربع: حَدثنِي يَوْمًا بِحَدِيث، فقلتُ: أعِدْهُ عَليّ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، فَقَالَ: أمَا عَلمتَ انه لَا يُستعادُ أميرُ الْمُؤمنِينَ؟ وَقلت لَهُ حِين أذنَ لي عَلَيْهِ: أَنا الشعْبيُّ يَا أميرَ المؤمنينَ. فقالَ: مَا أدْخلنَاكَ حَتَّى عرفْناك. وكنَيتُ عِنْد رجلا فَقَالَ: أمَا علمتَ أَنه لَا يُكنْى أحدٌ عِنْد أَمِير الْمُؤمنِينَ وسألتُه أنْ يكتبَني حَدِيثا. فَقَالَ: إنَّا نُكْتِبُ وَلَا نَكْتُب. لما أَخذ الحجاجُ الشّعبِيّ - وَكَانَ خرج عَلَيْهِ مَعَ ابْن الأشْعث، قَالَ: يَا شعبيُّ، ألمْ أرفع مِن قدرك، وبلغتُ بك شرف العطاءِ، وأوْفدتُك عَليّ أَمِير الْمُؤمنِينَ، ورضيتُك جَلِيسا لي ومحدِّثاً؟ قَالَ: بلَى. أصلح اللهُ الأميرَ. قَالَ: فَمَا أخرجك مَعَ ابْن الأشعثِ تُقَاتِلنِي على غير دين وَلَا دُنيا؟ فَأَيْنَ كنت مِن هَذِه الفِتنةِ؟ فَقَالَ: أصلح اللهُ الْأَمِير، أوْحش الجنابُ، وأحْزن بِنَا المنزلُ، واستشعرنا الْخَوْف، واكتحلنا السهر، وفقدنا صالِحَ الإخوان، وشملتنا فتنةٌ لم نَكُنْ فِيهَا بررةً أتقياءَ، وَلَا فجرةً أقوياءَ. فضحِك الحجاجُ، وَعَفا عَنهُ. قَالَ الشعبيُّ: مَنْ أمِن الثٌّقل ثقُل.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute