أسْمَع رجلٌ الشّعبِيّ كلَاما، وعدَّد فِيهِ خِصالاً قبيحةً - وَالشعْبِيّ ساكتُ - فَلَمَّا فرغ الرجلُ مٍِن كَلَامه، قَالَ: واللِّهِ لأغيظنَّ مَن أمَرك بِهَذَا إِن كُنت صَادِقا، فغفرَ اللهُ لي، وَإِن كنت كاذِباً فغفرَ اللهُ لكَ. قيل: يَا أَبَا عَامر: ومَن أمرهُ بِهَذَا؟ قَالَ: الشيطانُ. خطب رجل إِلَى قوم، فجاؤوا إِلَى الشّعبِيّ يسألونه عنهُ - وَكَانَ عَارِفًا بِهِ - فَقَالَ: هُوَ وَالله - مَا علمتُ - نافذُ الطَّعنِة، ركينُ الجلسةِ. فزوَّجوهُ، فَإِذا هُوَ خياطٌ. فأتوْهُ، فَقَالُوا. غدرتنا. فَقَالَ: مَا فعلتُ، وَإنَّهُ لَكمَا وصفتُ. وَقيل لهُ وَقد بنى بأهلهِ: كَيفَ وجدت أهلك؟ قَالَ: فلِم أرخيتُ السِّتر إِذن؟ لما قدم الشعبيُّ من الْبَصْرَة قَالُوا لَهُ: وَكَيف تركت إِخْوَاننَا من أهل الْبَصْرَة؟ قَالَ: تركُتهم قد سادَهُم مَوْلَاهُم، وَذَاكَ أَنه اسْتغنى عنهُمْ فِي دُنياهم واحْتاجُوا إِلَيْهِ فِي ديِنهم. يَعْنِي الْحسن الصريَّ. وَكَانَ الشّعبِيّ يقولُ: لَو كَانَت الشَّيعةُ من الطير لكانوا رخماً وَلَو كَانُوا من الدوابِّ لكانوا حَمِيراً. قَالَ العشبي: لَا تُقدِمُوا على أمْر تخافون أَن تقصِّروا فِيهِ، فَإِن الْعَاقِل يحجزُه عَن مَرَاتِب المُقدَّمين مَا يرى من فضائِل القصِّرين. وَلَا تعدُوا أحدا عِدَةً لَا تَسْتَطِيعُونَ إنجازها، فإنَّ الْعَاقِل يحجزه عَن مَحْمدة المواعيد مَا يرى مِن المذمَّة فِي الخُلْفِ، وَلَا تُحدِّثوا أحدا من النَّاس تخافون تكذيبَهُ، فَإِن الْعَاقِل يُسلِّيه عَمَّا فِي الحديثِ مَا يَرى من مَذلَّة التَّكْذِيب، وَلَا تسألُوا أحدا من النَّاس تخافُون مَنعه، فَإِن الْعَاقِل يحجزه عَمَّا نالهُ السائلُ مَا يرى من الدَّناءة فِي الطَّمَع. تحدث الشعبيُّ يَوْمًا عِنْد ابْن عُمر، فَقَالَ: إِنَّه ليحدِّثنا بمواطِن شهدْناها وَغَابَ عَنْهَا، فكأنَّه شَهِدَهَا وغِبْنا عَنْهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute