للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعَ أَن امْرأ لم يكن مِنْهَا فِي حَبْرة إِلَّا أعقبتْهُ بعْدهَا عِبْرَة وَلم يلْقَ من سرائها بَطنا إِلَّا منحتْه من ضَرائها ظهْراً وَلم تَظِله غيمةُ رخاءٍ إِلَّا هطلتْ عَلَيْهِ مُزْنةُ بلَاء، وحريةٌ إِذا أصبحتْ لَهُ منتصرةً، أنْ تُمسي لَهُ خاذلةً مُتنَكرة، وَإِن جانِبٌ مِنْها أعذوذبَ وَاحِد ولي أَمر عَلَيْهِ مِنْهَا جانبٌ وأوبى. وإنْ آتت امْرأ من غضارتها وَرقا أرهقته من نوائبها تعباً. وَلم يْمس مِنْهَا امْرُؤ فِي جنَاح أمنٍ إِلَّا أصبحَ مِنْها على قوادمِ خوف. غرّارةٌ غرورٌ مَا فِيهَا، فانيةٌ فَإِن من عَلَيْهَا لَا خيرَ فِي شَيْء من زَاد مِنْهَا إِلَّا التَّقْوَى. من أقل مِنْهَا استكثرَ مِمَّا يؤمنهُ، وَمن استكثر منهَا استكْثَر مِما يُوبقُه ويطيل حُزنه، ويبكي عينَه، كم واثقٍ بهَا فجعته، وَذي طمأنينة إِلَيْهَا قد صرعتْه، وَذي احتيال فِيهَا قد خدعته، وَكم ذِي أبهة فِيهَا قد صيرته حَقِيرًا، وَذي نخوة قد ردْتهُ ذليلاً، وَمن ذِي تَاج قد كبتْه لِلْيَدَيْنِ، وللفَم. سلطانُها دُوَلٌ، وعيشُها رنَق وعذبها أجَاجٌ وحُلوُها صَبرٌ، وغذاؤها سِمامٌ، وأسْبابها رِمامٌ، وقطافُها سَلَع، حيُّها بعَرَضِ موت، صحيحُها بعَرَضِ سقم، منيعُها بِعَرضِ اهتضَام. مليكُها مسلُوب، وعزيزُها مغْلوبٌ، وسليمُها منكُوب، وجارها محروبٌ، مَعَ أنَّ وَرَاء ذَلِك سكراتِ الْمَوْت، وهولَ المطلعِ، والوقوفَ بَين يَدي الحكم الْعدْل " ليجزي الَّذين أساءْوا بِما عَملوا وَيجْزِي الذينَ أحْسنُوا بالحُسْنى ". ألستُم فِي مسَاكِن من كَانَ قَبْلكم أطولَ أعْمارً، وأوضح منكُم آثاراً، وَأعد عديداً، وأكثفَ جُنوداً، وأشدَّ عُنوداً. تُعبِّدوُا للدنيا أَي تعبُّد، وآثَرُوها أَي إِيثَار، وظعَنُوا عَنْهَا بالكُره والصغَار فَهَل بلَغكُم أنَّ الدُّنْيَا سمحَتْ لَهُم نفْساً بِفدْية، أَو أغْنَتْ عَنْهُم فِيمَا قد أهلكتْهُم بخَطْب؟ بل قدْ أرهقتْهُم بالفوادح، وضَعْضَعْتهُمُ بالنوائب، وعقرتهُم بالفجائع. وَقد رأيتُم تنكُّرَها لمنْ دَانَ لَهَا، وآثَرها وأخْلَدَ إِلَيْهَا حِين ظَغنُوا عَنْهَا لفراقِ الأبَد إِلَى آخرِ المُسْند. هَل زودتَهْمُ إِلَّا السغَب، وأحلَّتهم إِلَّا الضّنْكَ، أوْ نورت لَهم إِلَّا الظُّلمةَ أَو

<<  <  ج: ص:  >  >>