للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعقُبتْهم إِلَّا الندامة؟ أفهذه تُؤثرون أمْ عَليّ هَذِه تَحْرِصُون؟ أم إِلَيْهَا تطمئنون؟ يقولَ الله عز وَجل: " مَنْ كَانَ يُريد الحياةَ الدُّنْيَا وزِينتَها نُوَفِّ إِلَيْهِم أعْمالهم فِيهَا وهم فِيهَا لَا يُبْخَسُون " فبئستْ الدارُ لمنْ أقامَ فِيهَا فاعلُموا - وَأَنْتُم تعلمُونَ - أَنكُمْ تَارِكُوها لَا بُدَّ، فَإِنَّمَا هِيَ كَمَا وصفَها اللهُ باللعب، وَاللَّهْو. وَقد قَالَ الله تَعَالَى: " أتبنْون بكُلِّ ريع أَيَّة تَعْبَثُون وتتَّخذُونَ مصانعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدون وَإِذا بطشتُم بطَشتُم جبارين ". ذكر الَّذين قَالُوا: " من أشدُّ منا قُوَّة " ثمَّ قَالَ: حُملُوا إِلَى قُبورهم فَلا يُدعَون رُكْباناً، وأنْزِلوا فَلَا يُدعَوْنَ ضيفَاناً، وَجعل الله لَهُم من الضريح أجْناناً، وَمن الترابِ أكْفاناً، وَمن الرفُّات جِيراناً، وهم جِيرةٌ لَا يُجِيبون دَاعيا، وَلَا يمنعُون ضَيماً. إِن خَصبوا لم يَفْرحُوا، وَإِن قَحطوا لم يقُنطوا. جَميعٌ وهم آحَاد، جِيرةٌ وهم أبْعادٌ، مُتَناءْون لَا يزورُون وَلَا يُزَارُون. حُلماءُ قد ذهبتْ أضْغانُهم، وجُهلاءُ قد ماتتْ أحقادهُمْ، لَا يُخشى فجْعهُمُ، وَلَا يُرْجَى دَفْعُهمُ، وكما قَالَ الله تَعَالَى: " فتلْكَ مساكُنهم لم تُسْكَنْ منْ بعْدِهِم إِلَّا قَلِيلا وكُنَّا نحنُ الوارِثين ". واستبدلَوا بظَهْرِ الأَرْض بطْناً، وبالسَّعة ضِيقاًُ، وبالأهل غُربةً، وبالنور ظُلمة، ففَّارَقُوها كَمَا جاءُوها حُفاةً، عُرَاة، فُرادى، غيرَ أنْ ظعنُوا بأعمالهم إِلَى الحياد الدائمة، وَإِلَى خُلُود الأبَد، يقولُ الله تبَارك وَتَعَالَى: " كَمَا بدأنا أول خلق نُعيدُه وَعدا علينا إِنَّا كُنَّا فَاعِلينَ ". فاحذَروا مَا حذَّركُم الله، وانتفعُوا بمواعظه، واعتصمُوا بحَبْله. عَصَمنا اللهُ وَإِيَّاكُم بِطَاعَتِهِ، ورزَقنا إياكُم أداءَ حقِّه. قَالُوا: لما أَخذ أَبُو بيهس الْخَارِجِي، وقُطِعتَ يداهُ، ورِجْلاهٌ، تُرك يتمرغُ فِي الترابِ. فَلَمَّا أصْبح قَالَ: هَل أحدٌ يُفْرِغُ على دَلْوين؟ فَإِنِّي احتلمتُ فِي هَذِه الليلةِ. هَذَا إِن كَانَ صَادقاً فَهُوَ عجيبٌ، وإنْ كَانَ قالهُ استهانةً بمَنْ فَعلَ ذَلِك فَهُوَ أعجبُ. قَالَ بعضُهم: سمعتُ أَبَا بِلَال فِي جَنَازَة وَهُوَ يقولُ: أَلا كلُّ ميتةٍ ظنُونٌ إِلَّا ميتةَ الشجاء. قَالُوا: وَمَا ميْتةُ الشجاء؟ قالَ: امرأةٌ أَخذهَا زيادٌ فقطعَ يديْها،

<<  <  ج: ص:  >  >>