وَمَرَّتْ بِهِ جَنَازَة، فقالَ: بَارك اللهُ لنا فِي الْمَوْت وَفِيمَا بعدَ الموتِ. فَقيل: إِنَّهَا جنازةُ نَصْراني. فَقَالَ: إذنْ لَا بَارك اللهُ لنا فِي الموتِ، وَلَا فِيمَا بعد الْمَوْت. وكانتْ لَهُم جاريةٌ يُقَال لَهَا عميرةُ، فضربتْها أمُّه ذَات يَوْم، وصاحتِ الجاريةُ وَاجْتمعَ الجيرانُ على الْبَاب. فخرجَ إِلَيْهِم، وَقَالَ: مالكُم؟ عافاكم الله. إِنَّمَا هِيَ أُمِّي تجْلد عميرةَ. وَصلى بِقوم - وَفِي كُمِّهِ جَرْو كلب - فَلَمَّا ركَع سقط الجروُ، وَصَاح، وتنحنْح. فالتفتَ إِلَيْهِم، وَقَالَ: إنَّه سلُوقُّي عافاكم الله. وَحمل جرةً خضراء إِلَى السُّوق يبيعُها. فَقَالُوا: هِيَ مثقوبةٌ. فَقَالَ: لَيْسَ تسيل، فإنَّه كَانَ فِيهَا قُطنٌ لوالدتي. فَمَا سالَ مِنْهُ شيءُ. وَأَعْطَاهُ أَبوهُ درهما يزنُه، فطرحَهُ فِي الكِفة، وطرَحَ فِي الكِفة الْأُخْرَى سنجة دِرْهَمَيْنِ، وَهُوَ يحسبهما سَنْجةَ دِرْهَم، فَلم يستويا، فَطرح سنجةَ الدِّرهم على رَأس الدِّرهم، فكانَ أقلَّ، فَطرح حبتين أَيْضا، ثمَّ قَالَ لِأَبِيهِ: لَيْسَ فِي شَيْء، وينقُص حبتين. وَنظر يَوْمًا إِلَى السَّماء، فَقَالَ: مَا أخْلَقها بالمطر لَو كَانَ متغيمةً. ورأوهُ يَوْمًا فِي السُّوق يَعْدو فَقَالُوا: مَا شأْنُك؟ قَالَ: مرّت بكم جاريةٌ رجل مخضوب الْحَيَّة؟ واجتَازَ يَوْم بِبَاب الْجَامِع فَقَالَ: لِمنْ هَذَا الْقصر؟ قَالُوا لَهُ: هَذَا مَسْجِد الْجَامِع. قَالَ: رحِمَ اللهُ جَامعا. مَا أحسنَ مَا بَنَي مسجدَه؟ ؟ وذهبتْ أمُّه فِي عرس، وتركتْهُ فِي البيْتِ، وقالتْ لَهُ: احفَظ الْبَاب. فجلَس إِلَى الظّهْر. فَلَمَّا أبطأَتْ عَلَيْهِ قامَ، فقلَع البابَ، وحملَه على عاتِقِه. وَنظر إِلَى رجل مقيَّد - وَهُوَ مغْتَم - فَقَالَ لَهُ: مَا غمُّك؟ إِذا نُزع عنكَ فثمنُه قائمٌ، ولبسه ربحٌ. وماتتْ خالتُه، فَقَالُوا: اذْهبْ، واشتر لَهَا حَنوطاً. فَقَالَ: أخْشى أَلا ألحق الجنازةَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute