للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَمَّا حَاذَى حائطَ الْبُسْتَان. وثبَ، فَصَارَ عَلَيْهِ، فَغطّى سالمٌ بناتَه بِثَوْبِهِ. وَقَالَ: بَنَاتِي بَنَاتِي. فَقَالَ أشعبُ: إِنَّك لتعلَم مَا لنا فِي بناتك من حق وإنّك لتعلَم مَا نُريد. قيل: بغتْ أم أشعب، فضُربتْ، وحُلِقتْ، وحملت على بعير يُطاف بهَا، وَهِي تَقول: منْ رَآنِي فَلَا يزْنينَّ. فأشرفتْ عَلَيْهَا ظريفةٌ من أهل الْمَدِينَة: فَقَالَت لَهَا: إِنَّك لمطاعةٌ {} نَهَانَا الله عنهُ، فَمَا ندعُه، ونَدعهُ لِقَوْلِك؟ ؟ كَانَ زِيَاد بنُ عبدِ الله الْحَارِثِيّ على شُرطةِ الْمَدِينَة، وَكَانَ مبخلاً على الطَّعَام فَدَعَا أشعبَ فِي شهر رمضانَ ليفطرَ عِنْده، فقدِّمتْ إِلَيْهِ فِي أول لَيْلَة بَصَليةٌ معْقُودةٌ، كانتْ تُعْجِبه، فَجعل أشعبُ يُمِعنُ فِيهَا - وزيادٌ يلمحه - فَلَمَّا فَرغوا من الْأكل قَالَ زِيَاد: مَا أظُنُّ أَن لأهل السجْن إِمَامًا يُصَلِّي بهم فِي هَذَا الشَّهْر فَلُيصَلِّ بهم أشْعَبُ. فَقَالَ أشْعبُ: لَو غَير ذَلِك - أصْلحَك الله -؟ قَالَ: وَمَا هُو؟ قَالَ: أحْلِفُ أَنِّي لَا أَذُوق بصَلَيّةً أبَدا. فَخَجِلَ زيادٌ، وتغَافل عَنهُ. قَالَ أشَعب: جَاءَتْنِي جاريةٌ بِدِينَار، وقالتْ هَذِهِ ودَيعةٌ عندكَ. فجعلتُه بيْن ثِنْى الْفراش. فجاءتْ بعد أَيَّام فقالتْ: بِأبي الدينارَ فقلتُ: ارفعي الْفراش، وخُذي ولدّهُ. وكنتُ تركتُ إِلَى جَنْبه درهما فَتركت الدينارَ. وَأخذت الدِّرْهَم وعادت بعد أَيَّام فوجدتْ معهُ درهما آخرَ، فَأَخَذته. وعادت فِي الثَالثة كَذَلِك. فَلَمَّا رأيتُها فِي الرابعةِ بكيتُ. فَقَالَت: مَا يُبكيكَ؟ قلتُ ماتَ دينارُك فِي النِّفاس. قَالَت: وَكَيف يكون للدينار نِفَاسٌ؟ ؟ قلتُ: يَا فاسقةُ تُصدقين بِالْولادَةِ، وَلَا تصدقين بالنفاس {} سَأَلَ سَالم بنُ عبدِ الله بن عمر أشعبَ عَن طمعه، فَقَالَ: قلتُ لصبيان مرَّةً: اذهبُوا. هَذَا سَالم قد فتَح بيتَ صدَقَة عمرَ حَتَّى يُطعمكم تمرْاً. فلمَّا احْتبسوا ظننْتُ انه كَمَا قلتُ لَهُم فغدوْتُ فِي أثَرهم. وَقيل لَهُ: مَا بلغ مِنْ طَمَعِكِ؟ قَالَ: أرى دُخَانَ جَاري فأُرد. وَقيل لَهُ أَيْضا: مَا بلغَ من طمعك؟ قَالَ: لم أر اثْنَيْنِ قطُّ. يتسَارانِ إِلَّا ظننتُ أَنَّهُمَا يأمران لي بِشَيْء.

<<  <  ج: ص:  >  >>