للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عندنَا شيءٌ نعطيكَ، وسِتى فِي المأتم. فَقَالَ السائلُ: أَي مأتم أعظمُ من مأتمكُم إِذا لم يكن عنْدكُمْ شيءٌ؟ ؟ وقف آخر بِبَاب دارٍ، فَسَأَلَ، فَقَالَ صاحبُ الدَّار: أغْناكَ اللهُ، فَلَيْسَ صبيانُنا هَا هُنَا. قَالَ: إنَّما طلبْتُ كسرةً: لمْ اطلُب الجماعَ. وقفَ آخر بِبَاب فَقَالَ: أوسِعُوا عَليّ مِمَّا رَزَقكم الله فَإِنِّي فِي ضيق. فقالَ. صاحبُ الدَّار: إِن كُنتَ فِي الدّهْليز فِي ضِيق فادخُل الدَّار فَإِنَّهُ أوسعُ لَك فَقَالَ السَّائِل: إِنَّمَا قُلتُ: تأْمُر لي بشيءٍ. فقالَ: قد أمرتُك أنْ تشتري لِابْني قَلنسوة. فَقَالَ السَّائِل: أيش تريدُ مني يَا هَذَا؟ قَالَ: أريدُ مِنْك عشرةَ دَرَاهِم أوديها عَن كِرا الدَّار. فولى السائلُ هَارِبا. وقف أَعْرَابِي على قوم يسألهم، فَقَالَ أحدُهُم لَهُ: بُورك فيكَ. وقالَ آخرُ مَا أَكثر السُّؤَّال؟ فَقَالَ الْأَعرَابِي: تُرانا أكثَر مِنْ بورك فِيك؟ وَالله لقد علمكُم اللهُ كلمة مَا تُبالُون وَلَو كُنا مثل ربيعَة ومُضر. وقف آخُر على بابٍ، فأجابتْه امرأةٌ من الدَّار: مَا خبَزْنا الْيَوْم. قَالَ: فَأعْطِنِي كف دَقِيق. قالتْ: مَا اشترينا بعدُ دَقِيقًا. قَالَ: فاستقْرضي منْ الْجِيرَان رغيفاً. قَالَت لَا يقرضونا. قَالَ قد أحْسَنُوا يَا زانيةُ تستقرضين، وَلَا تردين. لَا يُقْرضُونكِ {} وقف سَائل على إِنْسَان - وَهُوَ مقبلٌ على صديق لَهُ يحدثهُ، ويتغافلُ عَن السَّائِل - ثمَّ قَالَ لهُ بعد سَاعَة طَوِيلَة: صنع الله لَك. فَقَالَ لَهُ السَّائِل: أَيْن كَانَ هَذَا يَا سَيِّدي إِلَى هَذَا الْوَقْت؟ كَانَ فِي الصُّنْدوق؟ وَكَانَ رجل بِبَغْدَاد من الشحاذين فَكَانَ دأبُه أَن يترصَّد إقبال الرّبيع، فيطلبُ وردةً أول مَا تطلُع، وقبْل أَن يَرَاهَا الناسُ فيأْخُذها، ويحملها إِلَى الحذائين ويبشِّرهم بمجيء الصَّيف، وحاجةِ النَّاس إِلَى النّعال، فيجبّون لَهُ شَيْئا، ويعطونه. وَإِذا أقبل الخريفُ عَمدَ إِلَى جَزرة قبل أنْ يرى الناسُ الجزر، ويُهديها إِلَى الخفافين، ويبشرهم بمجيء الشتَاء. فَمَا زَالَ هَذَا دأبه يتعيش مِنْهُ طول عُمره.

<<  <  ج: ص:  >  >>