للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانَ رجلٌ منْهم مَعَه صحيفَة، ودواةٌ، فَكَانَ يتَقَدَّم إِلَى الرجل منْ أهْل السُّوق وَغَيرهم، فيسألهُ أنْ يُعطيه شَيْئا، ثمَّ يَقُول لَهُ: أَنا أرْضى بدرهم وَاحِد تُعْطينيه فِي مثل هَذَا الْيَوْم من السّنة الْقَابِلَة. فيستحي الرجلُ فيقولُ: أثبتْ لي خطك بِهَذَا الدِّرْهَم الواحدِ، فيأْخُذ خطَّه، وَيعود فِي الْقَابِل، وَفِي الْيَوْم الَّذِي يكون قدْ أرخه فَيَأْخُذ مِنْهُ ذَلِك. فَكَانَ يجتمعُ لَهُ فِي كل سنة جملةٌ جَاملةٌ. سمع رجل سَائِلًا فِي مسْجد الْكُوفَة يَقُول: أَسأَلكُم بحقِّ أبي بكر وعُمَر، فَمَا أعطَاهُ أحدٌ شَيْئا. فَقَالَ: ليسَ لهَؤُلَاء الْقَوْم هَاهُنَا جاهٌ. رأى أَبُو القمقام الْهلَال على وَجه قصرية فَقَالَ لَهَا: اضحكي فِي وَجْهي وخُذي هَذَا الدِّينَار مني. فاستظرفته، وَأخذت منهُ الدِّينار عَبَثا. فَقَالَ: قد تفاءلتُ بَوجْهك، فَمَا لي عنْدك؟ قَالَت: أردُّ دِيناراً. قَالَ: هَذَا كُما كُنَّا فأينْ حلاوةُ الفأل؟ وصدقت، فَأَعْطَتْهُ دِينَارا. فَقَالَ: التجارةُ بركةٌ والخديعةُ يُمْنٌ. وَكَانَ على عَصا ساسان الْمكْرِي مَكْتُوبًا بِالذَّهَب: الْحَرَكَة بركةٌ، الطراوة سُفتجَة، الكسل شؤْمٌ، التمييزُ جُرمٌ. حكى بعضُهم قَالَ: سَمِعتُ أبن سكّرة يَقُول: كَانَ شرطي مَعَ خمْرة - وَهِي الَّتِي يشببُ بهَا فِي شِعْره، وفيهَا يقولُ. لِخَمرةَ عِنْدِي حديثٌ يطولُ ... رأتني أبولُ فَكَادَتْ تبولُ أَن أعطيها على كل فَرد أَرْبَعَة دوانيق. فَقَالَ: فجاءتني يَوْمًا فأعطيتُها دِرْهَمَيْنِ ونكتها مرَّتَيْنِ. وَلم ينتشر عَليّ فِي الثَّالِث، فأردتُ ارتجاع قسط الْوَاحِد مِنْهَا وامتْنعَتْ من ذَلِك. فبيْنا نحنُ فِي ذَلِك إذْ وقف سائلٌ على الْبَاب، ودعا وَسَأَلَ. فقُلْتُ لَهُ: ادخُل: فَدخل. فقلْتُ: ليْس يحضُرني. ولكنْ نِكْ هَذِه، فقد استْوفتْ جذْرها. قَالَ: فَأخذ بِيَدِهَا، وَدخل الْبَيْت، وناكها. وخرجَ - وأيره فِي يَده - وَهُوَ يقطُر، ويشيرُ إِلَيْهِ، وَيَقُول لي: ثقل اللهُ بِهَذَا مِيزانك يَوْم القيامةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>